السبت، 26 فبراير 2011

نيل الظفر


نيل الظفر 
بمحبة خير البشر


















في بعض آثار محبة الصحابة ونصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم







محمدن بن امد بن أحمدو بن المختار


بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله المحمود في كل فعاله، الحمد لله على ما آتاني وأسأله الشكر على ما أولاني والزيادة مما أعطاني، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين المبعوث رحمة للعالمين، الذي أتم الله به الدين، وجعل حبه لزاما على المسلمين، قال تعالى {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: وفي الآية دليل على وجوب حب الله ورسوله، ولا خلاف في ذلك بين الأمة، وأن ذلك مقدم على كل محبوب .
وفي صحيح البخاري من كتاب الإيمان – باب حب النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان – عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ... فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان إما بالمباشرة وإما بالسبب وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره لأن النفع الذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه، ولا شك أن حظ الصحابة رضي الله عنهم من هذا المعنى أتم لأن هذا ثمرة المعرفة وهم بها أعلم والله الموفق. اهـ
وكذلك أوجب الله تعالى نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}
قال القرطبي: {وَتُعَزِّرُوهُ} أي تعظموه وتفخموه، وقال قتادة: تنصروه وتمنعوا منه ... {وَتُوَقِّرُوهُ} أي تسودوه قاله السدى وقيل تعظموه والتوقير التعظيم والترزين أيضا، والهاء فيهما للنبي صلى الله عليه وسلم.. .
وفي تفسير الجلالين عند قوله تعالى {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِين}: {فَإِنَّ اللَّهَ هُو} فصل {مَوْلاهُ} ناصره {وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِين} أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
وقد تواترت الآثار بعظم محبة الصحابة رضي الله عنهم ونصرتهم للرسول صلى الله عليه  وسلم، فكانوا أسوة حسنة للأمة في ذلك كيف لا وهم أفضل من حمل الدين وخير من بلغ عن الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، قال أبو عمر بن عبد البر في مقدمة الإستيعاب: وهم صحابة النبي الذين وعوها - أي السنة – وأدوها ناصحين محتسبين حتى كمل بما نقلوه الدين، وثبتت بهم حجة الله عز وجل على المسلمين، فهم خير القرون وخير أمة أخرجت للناس ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته ولا تزكية أفضل من ذلك ولا تعديل أكمل منها قال الله عز وجل {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} الآية. اهـ.
وقد يدعونه صلى الله عليه وسلم خليلا وحبيبا فمن ذلك قول أبي دجانة: أنا الذي عاهدني خليلي.. قال السهيلي في الروض: وما كان في قلوبهم من المحبة له يقتضي هذا وأكثر منه، ما لم يكن الغلو والقول المكروه، فقد قال عليه السلام "لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح فإنما أنا عبد الله ورسوله"،
وقال الإمام النووي في شرحه لمسلم في الكلام على الخلة والمحبة عند الحديث: "لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام": وأما قول أبي هريرة وغيره من الصحابة سمعت حبيبي صلى الله عليه وسلم فلا يخالف هذا لأن الصحابي يحسن في حقه الانقطاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ
وكذلك قول المرأة التي سمعها عمر تبكي وتقول أبياتا منها: هل تجمعني وحبيبي الدار، وقول بلال وغيره من الصحابة كالأشعريين: غدا نلقي الأحبه     محمدا وحزبه.
وأما عن نصرهم له صلى الله عليه وسلم فقد قال السيوطي "في تاريخ الخلفاء": وأخرج البزار والحاكم عن أبي أروى الدوسي قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر وعمر فقال "الحمد لله الذي أيدني بكما" ورووه أيضا من حديث البراء بن عازب أخرجه الطبراني في الأوسط.
وفي الإستيعاب أن قريشا سمعوا صائحا يصيح ليلا على أبي قبيس:
فإن يسلم السعدان يصبح محمد
فيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا


بمكة لا يخشى خلاف المخالف
ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف

وأورد أبياتا لقيس بن سعد منها:
هذا اللواء الذي كنا نحف به
ما ضر من كانت الأنصار عيبته


مع النبي وجبريل لنا مدد
أن لا يكون له من غيرهم أحد

وفى معنى المحبة قال الإمام أبو القاسم القشيري في الرسالة القشيرية: ولا توصف المحبة بوصف ولا تحد بحد أوضح ولا أقرب إلى الفهم من المحبة.. .
وقال القسطلاني في المواهب: اعلم أن المحبة -كما قال صاحب المدارج- هي المنزلة التي يتنافس فيها المتنافسون وإليها يشخص العاملون، وإلى عملها شمر السابقون، وعليها تفاني المحبون وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون.
وقال محمد بن أحمد ميارة في الدر الثمين في شرح قول ابن عاشر:
يجاهد النفس لرب العالمين
خوف رجا شكر وصبر توبه


ويتحلى بمقامات اليقين
زهد توكل رضا محبه

قال: المستحق للمحبة هو الله وحده وأن من أحب غير الله لا من حيث نسبته إلى الله تعالى فذلك لجهله وقصوره في معرفة الله تعالى، وحب الرسول صلى الله عليه وسلم محمود لأنه عين حب الله تعالى كذلك حب العلماء والأتقياء لأن محبوب المحبوب محبوب.
وقال القاضي عياض في الشفا: اختلف الناس في تفسير محبة الله ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وكثرت عبارتهم وليست ترجع بالحقيقة إلى اختلاف مقال، ولكنها اختلاف أحوال، فقال سفيان: المحبة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، كأنه التفت إلى قوله تعالى {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وقال بعضهم: محبة الرسول، اعتقاد نصرته والذب عن سنته والانقياد إليها، وهيبة مخالفته، وقال بعضهم: المحبة دوام الذكر للمحبوب، وقال آخر: المحبة الشوق إلى المحبوب.اهــ من الشفا.
أما النصرة فقد قال فيها العلامة العارف الصالح ولي الله مجدد السنة شيخنا الشريف الشيخ علي الرضا بن محمد ناجي الصعيدي رئيس المنتدى العالمي لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه الحراسة – وأهل مكة أدرى بشعابها–:
أحبائي في الله آن الأوان أن ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرة شاملة وعامة بعون الله وفضله وقدرته، فأول نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان بأنه رسول من الله عز وجل، والإيمان بكل ما جاء به من عند الله عز وجل،
ومن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الدين الذي جاء به من عند الله جميعا، وتعلم أحكام الله تعالى وبذل الوسع في التعلم والتعليم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال عز وجل: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} اهـ من الحراسة للشيخ علي الرضا بن محمد ناجي أطال الله عمره وجزاه عنا وعن المسلمين خيرا .    
وقد جمع كاتبه العبد الفقير إلى ربه جملا من محبة الصحابة رضي الله عنهم ونصرتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتب المعتمدة، وإنما هي أمثلة فقط فمعين محبتهم ونصرتهم لا ينضب، ولست مؤهلا للتأليف ولا مهيئا للتصنيف ولكن قصد التأسي والتبرك دعاني إلى ذلك، وقد كان شجعني عليه أن أشار إلي  بالتأليف الإمام العلامة والمدرس الفهامة حبر الأمة شيخنا الشريف الشيخ بن حم ابن عابدين الصعيدي أطال الله عمره، ويسر له أمره، وبارك فيه، وإن أمره لمطاع، وبإشاراته وعباراته يتم الانتفاع، إن شاء الله تعالى، وإنه لمعلوم ما فى التشبه بالكرام وما فى صحبة الأخيار، والله المستعان وعليه نتوكل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيمِ،ِن وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}.
ثم إننى جعلت هذا الجمع -نيل الظفر بمحبة خير البشر صلى الله عليه وسلم- في جزأين: أولهما المحبة وثانيهما النصرة وجعلت المحبة سبعة فصول والنصرة أربعة، وختمته بخاتمة في حب الصحابة ونصرهم لآله وأصحابه صلى الله عليه وسلم،
I-  المحبة:
1- أقوال الصحابة في محبته صلى الله عليه وسلم
2- معان من محبتهم له صلى الله عليه وسلم
3- تعظيمهم وتوقيرهم له صلى الله عليه وسلم
4- حسن اتباعهم له صلى الله عليه وسلم
5- تبركهم بآثاره وتعظيمهم لأسبابه صلى الله عليه وسلم
6- حزنهم وبكاؤهم لفراقه صلى الله عليه وسلم
7- ما كان من محبتهم ونصرتهم له صلى الله عليه وسلم في الهجرة
II - النصرة
1- نصرتهم له صلى الله عليه وسلم بالشعر والبيان الحسن
2- مواساتهم له صلى الله عليه وسلم بالمال
3- حراستهم له صلى الله عليه وسلم
4- دفاعهم عنه صلى الله عليه وسلم
الخـــاتمة:
حبهم ونصرتهم لآله وأصحابه صلى الله عليه وسلم.
















I
المحبة
1-
أقوالهم في محبته صلى الله عليه وسلم

في صحيح البخاري ـ كتاب فضائل الصحابة ـ عن أنس رضي الله عنه: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: "وما أعددت لها" قال: لاشيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنت مع من أحببت"، قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت، قال أنس: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم، وفي رواية لهذا الحديث في صحيح مسلم ـ كتاب البر والصلة ـ قال أنس فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مع من أحببت"...الحديث
وفي صحيح مسلم ـ كتاب البر والصلة ـ باب المرء مع من أحب: عن أنس بن مالك أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أعددت لها؟" قال: حب الله ورسوله، قال "أنت مع من أحببت".
قال الإمام النووي ـ في شرح مسلم ـ: قوله صلى الله عليه وسلم للذي سأله عن الساعة: "ما أعددت لها" قال: حب الله ورسوله، قال "أنت مع من أحببت" وفي روايات "المرء مع من أحب"، فيه فضل حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والصالحين وأهل الخير الأحياء والأموات، ومن فضل محبة الله ورسوله امتثال أمرهما واجتناب نهيهما والتأدب بالآداب الشرعية، ولا يشترط في الانتفاع بمحبة الصالحين أن يعمل عملهم إذ لو عمله لكان منهم ومثلهم، وقد صرح الحديث الذي بعد هذا بذلك فقال: أحب قوما ولما يلحق بهم، قال أهل العربية: لما نفى للماضي المستمر فيدل على نفيه في الماضي وفي الحال بخلاف لم فإنها تدل على الماضي فقط، ثم إنه لا يلزم من كونه معهم أن تكون منزلته وجزاؤه مثلهم من كل وجه، ه منه.
وفي الشفا للقاضي عياض: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي التي بين جنبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه".
فقال عمر والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "الآن يا عمر".
قال في نسيم الرياض (شرح الشفا لعياض): الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن هشام.
وفي الجامع لأحكام القرآن للقرطبي عند قوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}:
قالت طائفة إنما نزلت هذه الآية لما قال عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري - الذي أري الأذان-: يا رسول الله إذا مت ومتنا كنت في عليين لا نراك ولا نجتمع بك، وذكر حزنه على ذلك فنزلت هذه الآية، وذكر مكي عن عبد الله هذا، وأنه لما مات النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعمني حتى لا أرى شيئا بعده فعمي مكانه، وحكاه القشيري فقال: أعمني فلا أرى شيئا بعده فعمي مكانه.
وحكي الثعلبي أنها نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحب له قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه يعرف في وجهه الحزن، فقال له: "يا ثوبان ما غير لونك" فقال: يا رسول الله  ما بي ضر ولا وجع، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك، لأني عرفت أنك ترفع مع النبيئين وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل فذلك حين لا أراك أبدا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ذكره الواحدي عن الكلبي. انتهى من تفسير القرطبي.
وفي الحلية لأبي نعيم: عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: "لأعطين هذه الراية رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله". قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فقال: "أين علي بن أبي طالب؟" فقالوا يارسول الله يشتكي عينه قال: "فأرسلوا إليه" قال فأتى به قال فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع وأعطاه الراية.
وهذا الحديث في الصحيحين في أبواب الفضائل وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة: قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ قال فتساورت لها رجاء أن أدعى لها.
وفي الحلية أيضا عن عمر بن الخطاب قال نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير وعليه إهاب كبش قد تنطق به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نور الله قلبه لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون".
وفي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للقسطلاني: وهم فضالة بن عمير أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضالة" قال: نعم يا رسول الله قال: "ماذا كنت تحدث به نفسك" قال: لاشيء كنت أذكر الله، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "أستغفر الله" ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، وكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ماخلق الله شيئا أحب إلى منه.
وفي المواهب من حديث الهجرة: وفي شرف المصطفى وأخرجه البيهقي عن أنس لما بركت الناقة على باب أبي أيوب خرج جوار من بني النجار يضربن بالدفوف يقلن:
نحن جوار من بين النجار


ياحبذا محمد من جار

فقال صلى الله عليه وسلم: "أتحببنني؟" قلن: نعم يارسول الله. وفي رواية الطبراني في الصغير فقال صلى الله عليه وسلم: "الله يعلم قلبي يحبكم".
وفي الطبقات عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقدم عليكم غدا قوم هم أرق قلوبا للإسلام منكم فقدم الأشعريون فلما دنوا جعلوا يرتجزون:
غــــدا نلقى الأحبة


محمــــدا وحـــزبه

وفي سير أعلام النبلاء: لما احتضر بلال رضي الله عنه نادته امرأته: واحزناه فقال: واطرباه، غدا نلقى الأحبة   محمدا وحزبه.
وفي الشفا عن أنس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة يارسول الله قال: "ما أعددت لها؟" قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله، قال: "أنت مع من أحببت".
قال الإمام شهاب الدين الخفاجي في نسيم الرياض شرح الشفا للقاضي عياض: وقد نظم معنى الحديث الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى كما تقدم فقال:
وقائل هل عمل صالح
فقلت حسبي خدمة المصطفى


أعددته ينفع عند الكرب
وحبه فالمرء مع من أحب

ومن شعر الصبا قولي:
وحق المصطفى لي فيه حب
ولا أرضى سوى الفردوس مأوى


إذا مرض الرجاء يكون طبا
إذا كان الفتى مع من أحبا

انتهى من نسيم الرياض.
وفي الشفا وروي أن ابن عمر خدرت رجله فقيل له: اذكر أحب الناس إليك يزل عنك فصاح يامحمداه فانتشرت.
قال في نسيم الرياض وفي شرح الشفا لعلى القاري: رواه ابن السنى في عمل اليوم والليلة.
وفي الأذكار النووية باب ما يقوله من خدرت رجله: روينا في كتاب ابن السني عن الهيثم بن حنش قال: كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك، فقال: يامحمد صلى الله عليه وسلم، فكأنما نشط من عقال.
وفيها عن ابن عباس مثل هذا.
وفي الشفا أيضا: ولما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه قال له أبو سفيان بن حرب: أنشدك الله تعالى يازيد أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك فقال زيد رضي الله عنه: والله ما أحب أن محمدا في مكانه الذي هو فيه مقيم تصيبه شوكة وأنا جالس في أهلي فقال أبو سفيان: ما رأيت أحدا من الناس يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا.
قال في نسيم الرياض وفي شرح الشفا لعلي القاري: رواه البيهقي رحمه الله تعالى عن عروة.
وفي الإستيعاب لابن عبد البر: وكان ثمامة بن أثال حين أسلم قال: يا رسول الله والله لقد قدمت عليك وما على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك ولا دين أبغض إلي من دينك ولا بلد أبغض إلي من بلدك وما أصبح على الأرض وجه أحب إلي من وجهك ولا دين أحب إلى من دينك ولا بلد أحب من بلدك.

2- معان في محبتهم له صلى الله عليه وسلم

أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الزهد (باب في حديث الهجرة ويقال له حديث الرحل):
حدثنا أبو إسحق قال: سمعت البراء بن عازب يقول: جاء إلى أبي أبوبكر الصديق في منزله فاشترى منه رحلا فقال لعازب: ابعث معي ابنك يحمله معي إلى منزلي فقال لي أبي: احمله فحملته وخرج أبي معه ينتقد ثمنه، فقال له أبي: يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما ليلة سريت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم أسرينا ليلتنا كلها حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق فلا يمر فيه أحد حتى رفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه الشمس بعد، فنزلنا عندها فأتيت الصخرة فسويت بيدي مكانا ينام فيه النبي صلى الله عليه وسلم في ظلها ثم بسطت عليه فروة، ثم قلت: نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك فنام، وخرجت أنفض ما حوله فإذا أنا براعي غنم مقبل بغنمه إلى الصخرة يريد منها الذي أردنا فلقيته فقلت أفتحلب لي؟ قال: نعم، فأخذ شاة، فقلت له انفض الضرع من الشعر والتراب والقذى وقال فرأيت البراء يضرب بيده على الأخرى ينفض، فحلب لي في قعب معه كثبة من لبن، قال ومعي إداوة أرتوي فيها للنبي صلى الله عليه وسلم ليشرب منها ويتوضأ قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وكرهت أن أوقظه من نومه، فوافقته استيقظ فصببت على اللبن من الماء حتى برد أسفله فقلت يا رسول الله اشرب من هذا اللبن قال فشرب حتى رضيت ثم قال: "ألم يأن للرحيل؟" قلت بلى، قال فارتحلنا بعدما زالت الشمس، واتبعنا سراقة بن مالك قال ونحن في جلد من الأرض فقلت يا رسول الله أتينا، فقال: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتطمت فرسه إلى بطنها أرى، فقال: إني قد علمت أنكما قد دعوتما علي فادعوا لي فالله لكما أن أرد عنكما الطلب، فدعا الله فنجا فرجع لا يلقى أحدا إلا قال: قد كفيتم ما هاهنا ولا يلقي أحدا إلا رده قال: فوفى لنا.
 وهذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه أيضا في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري:
قوله (فشرب حتى رضيت) وقع في رواية أوس عن خديج عن أبي اسحق (قال أبو إسحق: فتكلم بكلمة والله ما سمعتها من غيره).
وقال في الكلام على فوائد هذا الحديث: وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم خدمة التابع الحر للمتبوع في يقظته والذب عنه عند نومه وشدة محبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وأدبه معه، وإيثاره له على نفسه. اهـ  من فتح الباري.
وفي الطبقات لابن سعد عن عائشة أنها تمثلت بهذا البيت وأبوبكر يقضي:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه


ثمال اليتامى عصمة للأرامل

فقال أبوبكر: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي البخاري من حديث الهجرة وقدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة: ..وقام أبوبكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ـ ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يحيى أبابكر، حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبوبكر حتى ظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك... الحديث.
وفي الطبقات عن عائشة أن أبابكر قال لها: في أي يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: في يوم الإثنين قال: ما شاء الله، إني لأرجو فيما بيني وبين الليل.
وفيها عن عطاء قال: دخل عمر بن الخطاب على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو مضطجع على ضجاع من أدم قال الفضل في حديثه محشو ليفا لم يزد علي هذا، وزاد عبد الوهاب: وفي البيت أهب ملقاة فبكى فقال: "ما يبكيك يا عمر؟" قال: أبكي أن كسرى في الخز والقز والحرير والديباج وقيصر في مثل ذلك وأنت نجيب الله وخيرته كما أرى، قال: "لا تبك ياعمر فلو أشاء أن تسير الجبال ذهبا لسارت ولو أن الدنيا تعدل عند الله جناح ذباب ما أعطى كافرا منها شيئا".
وفي الشفا عن ابن اسحق أن امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا خيرا هو بحمد الله كما تحبين قالت أرونيه حتى أنظر إليه فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل.
قال في نسيم الرياض: وهذا رواه أيضا البيهقي عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص مرسلا، وكذا قال علي القاري.
وأخرج ابن عبد البر في الإستيعاب عن أم حميد الأنصارية أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أحب الصلاة معك فقال لها "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي"...الحديث.
وفي المواهب اللدنية للقسطلاني: وأخرج البيهقي: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه قال: "سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق فقام عمر نحوهم فلقى ثلاثة عشر راكبا، فبشرهم بقوله صلى الله عليه وسلم ثم مشى معهم حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فرموا بأنفسهم عن ركائبهم فأخذوا بيده فقبلوها الحديث. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد.
وفي الإستيعاب عن أبي عسيم رضي الله عنه بعد ذكر صلاة الناس على النبي صلى الله عليه وسلم قال: فلما وضعوه في لحده قال المغيرة بن شعبة إنه قد بقي من قبل قدميه شيء لم يصلح قالوا فادخل فأصلحه فدخل فمس قدمي النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: أهيلوا علي التراب حتى بلغ أنصاف قدميه ثم خرج فقال: أنا أحدثكم عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الروض الأنف للسهيلي في قول أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: (بعض مناشدتك لربك)، وكان رقيق القلب شديد الإشفاق على النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج أقرع بين نسائه فطارت القرعة على عائشة وحفصة فخرجتا معه جميعا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث معها، فقالت حفصة لعائشة ألا تركبين بعيري وأركب بعيرك فتنظرين وأنظر؟ قالت: بلى فركبت عائشة على بعير حفصة وركبت حفصة على بعير عائشة فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلم ثم سار معها حتى نزلوا فافتقدته عائشة فغارت فلما نزلوا جعلت تجعل رجلها بين الأذخر وتقول يارب سلط علي عقربا أو حية تلدغني، رسولك ولا أستطيع أن أقول له شيئا.
وفي الطبقات عن أنس بن مالك الأنصاري: أن المسلمين بينما هم في صلاة الفجر يوم الإثنين وأبوبكر يصلي بهم لم يفاجئهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم صفوف في صلاتهم فتبسم يضحك، فنكص أبوبكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة قال أنس وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة فأرخى الستر بينه وبينهم.
قال أنس: وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم، انتهى منها. وهذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب المغازي.
وفي الجامع الصحيح للترمذي في مناقب زيد بن حارثة عن جبلة بن حارثة أخي زيد قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله ابعث معي أخي زيدا، قال: "هو ذا فإن انطلق معك لم أمنعه" قال زيد: يا رسول الله والله لا أختار عليك أحدا، قال فرأيت رأي أخي أفضل من رأيي.
 وفي فتح الباري في مناقب زيد قال: وذكر قصته محمد بن إسحاق في السيرة وأن أباه وعمه أتيا مكة فوجداه فطلبا أن يفدياه فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يدفعه إليهما أو يثبت عنده فاختار أن يبقى عنده، وقد أخرج ابن منده في (معرفة الصحابة) وتمام فوائده بإسناد مستغرب عن آل بيت زيد بن حارثة أن حارثة أسلم يومئذ. انتهى منه.
وفي القرطبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سعد بن عبادة فقال: "السلام عليكم" فلم يردوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "السلام عليكم" فلم يردوا: فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فقد سعد تسليمه عرف أنه قد انصرف فخرج سعد في أثره حتى أدركه فقال: وعليكم السلام يا رسول الله إنما أردنا أن نستكثر من تسليمك وقد والله سمعنا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سعد حتى دخل بيته.
وفي الشفا قول عمر رضي الله عنه: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد نبيك.
وفي الحلية لأبي نعيم: (مفاخرة الأنصار والمهاجرين وبني هاشم برسول الله صلى الله عليه وسلم): عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: جلسنا يوما أمام بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد في رهط منا معشر الأنصار ورهط من المهاجرين ورهط من بني هاشم فاختصمنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أينا أولى به وأحب إليه، فقلنا نحن معاشر الأنصار: آمنا به واتبعناه وقاتلنا معه وكنا كتيبته في نحر عدوه فنحن أولى برسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبهم إليه، وقال إخواننا المهاجرون: نحن الذين هاجرنا إلى الله ورسوله وفارقنا العشائر والأهلين والأموال فقد حضرنا ما حضرتم وشهدنا ما شهدتم فنحن أولى برسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبهم إليه، وقال إخواننا من بني هاشم نحن عشيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حضرنا ما حضرتم وشهدنا ما شهدتم فنحن أولى برسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبهم إليه.
فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل علينا فقال: "إنكم لتقولون شيئا" فقلنا مثل مقالتنا، فقال للأنصار: "صدقتم من يرد هذا عليكم" وأخبرناه بما قال إخواننا المهاجرون فقال "صدقوا وبروا من يرد هذا عليهم" وأخبرناه بما قال بنو هاشم فقال "صدقوا وبروا من يرد هذا عليهم" ثم قال: "ألا أقضي بينكم؟"
فقلنا بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله، فقال: "أما أنتم معشر الأنصار فإنما أنا أخوكم" فقالوا الله أكبر ذهبنا به ورب الكعبة، " وأنتم معشر المهاجرين فإنما أنا منكم" فقالوا الله أكبر ذهبنا به ورب الكعبة "وأما أنتم بنو هاشم فأنتم مني وإلي"، فقمنا وكلنا راض مغتبط برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الشفا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ.

3- تعظيمهم وتوقيرهم له صلى الله عليه وسلم
في تفسير الجلالين: ونزل فيمن كان يخفض صوته عند النبي صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر وغيرهما: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}.
وفي الجامع لأحكام القرآن للقرطبي أنها لما نزلت قال أبوبكر: والله لا أرفع صوتي إلا كأخي السرار) وقال عبد الله بن الزبير لما نزلت {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُم} ما حدث عمر عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فسمع كلامه حتى يستفهمه مما يخفض فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}. ا هـ
وفي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن الزبير هذا: ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبابكر ـ (كتاب التفسير). هـ.
وفي القرطبي: قال عطاء الخراساني: حدثتني ابنة ثابت بن قيس قالت: لما نزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآية، دخل أبوها بيته وأغلق عليه بابه ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه يسأله ما خبره فقال: أنا رجل شديد الصوت أخاف أن يكون حبط عملي، فقال عليه السلام: "لست فيهم بل تعيش بخير وتموت بخير".هـ
وفي الشفا لعياض عن المغيرة: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير. قال في نسيم الرياض رواه الحاكم والبيهقي، وفيه عن البراء بن عازب: لقد كنت أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عيه وسلم عن الأمر فأوخره سنين من هيبته. قال على القارى: رواه أبو يعلي وصححه.
وفيه عن أسامة بن شريك: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حوله كأنما على رؤوسهم الطير.
وفي المواهب اللدنية للقسطلاني من خبر قدوم عروة بن مسعود الثقفي من عند قريش في الحديبية ـ والحديث في صحيح البخاري ـ : (ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له).
قال في فتح الباري: فيه إشارة إلى الرد على ما خشيه من فرارهم فكأنهم قالوا بلسان الحال: من يحبه هذه المحبة ويعظمه هذا التعظيم كيف يظن أنه يفر عنه ويسلمه لعدوه، بل هم أشد اغتباطا به وبدينه ونصره من هذه القبائل التي تراعي بعضها بمجرد الرحم والله أعلم. اهـ
قال: (فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها) اهـ.
وفي الجامع الصحيح للترمذي عن طلحة بن عبيد الله، أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل سله عمن قضى نحبه من هو -وكانوا لا يجترئون على مسألته يوقرونه ويهابونه- فسأله فأعرض، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أين السائل عمن قضى نحبه قال الأعرابي أنا يا رسول الله قال: "هذا ممن قضى نحبه"هـ منه.
وفي صحيح مسلم ـ باب توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه ـ عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى لهم صلاة الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة وذكر أن قبلها أمورا عظاما ثم قال: "من أحب أن يسألني عن شيء فليسألني عنه فوالله لا تسألونني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا"، قال أنس بن مالك: فأكثر الناس البكاء حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول "سلوني"، فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال: "أبوك حذافة"، فلما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يقول: "سلوني" برك عمر فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولى والذى نفسي محمد بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط فلم أر كاليوم في الخير والشر".
قال الإمام النووي في شرحه: وأما بروك عمر رضي الله عنه وقوله فإنما فعله أدبا وإكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشفقة على المسلمين لئلا يوذوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهلكوا ... هـ. منه.
وفي صحيح مسلم أيضا- كتاب الجهاد والسير- (باب في غزوة حنين)  قال رجل للبراء يا أبا عمارة أفررتم يوم حنين قال: لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الحديث.
قال النووي: هذا الجواب الذي أجاب به البراء رضي الله عنه في غاية الأدب لأن تقدير الكلام: فررتم كلكم.. انتهى من شرح مسلم للنووي.
وفي صحيح الترمذي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج على أصحابه المهاجرين والأنصار وهم جلوس وفيهم أبوبكر وعمر فلا يرفع أحد منهم بصره إلا أبوبكر وعمر فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما ويبتسمان إليه ويبتسم إليهما.
وفي رياض الصالحين للنووي: عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي: "اعلم أبا مسعود"، فلم أفهم الصوت فلما دنا مني فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقول "اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام" فقلت: لا أضرب مملوكا بعده أبدا. وفي رواية: فسقط السوط من يدي من هيبته.
وفي الإستيعاب عن أبي رهم أن أبا أيوب حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في بيتنا الأسفل وكنت في الغرفة فأهريق ماء في الغرفة فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة نتبع الماء شفقة أن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مشفق فقلت يا رسول الله لا ينبغي أن نكون فوقك انتقل إلى الغرفة فأمر بمتاعه فنقل ـ ومتاعه قليل ـ قلت يا رسول الله كنت ترسل بالطعام فأنظر فإذا رأيت أثر أصابعك وضعت فيه يدي. الحديث.
وفي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للقسطلاني: وفي حديث أبي أيوب الأنصاري عند أبي يوسف يعقوب من كتاب الذكر والدعاء له قال: نزل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة فكنت في العلو فلما خلوت إلى أم أيوب قلت لها: رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بالعلو منا تنزل عليه الملائكة وينزل عليه الوحي فما بت تلك الليلة أنا ولا أم أيوب فلما أصبحت قلت يا رسول الله مابت الليلة أنا ولا أم أيوب قال: "لم يا أبا أيوب؟" قلت: كنت أحق بالعلو منا تنزل عليك الملائكة وينزل عليك الوحي، لا والذي بعثك بالحق لا أعلو سقيفة أنت تحتها أبدا الحديث. ورواه الحاكم.هـ منه.
وفي الطبقات لابن سعد أن عبد الله بن مسعود كان يحمل له صلى الله عليه وسلم وسادته ومطهرته وسواكه وكان إذا قام صلى الله عليه وسلم ألبسه نعليه ثم يأخذ العصا فيمشي بها بين يديه وإذا جلس جعلها في ذراعيه كل فردة في ذراع.
وفي الحلية لأبي نعيم: عن ابن عباس كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إلى سقاء وتوضأ وشرب قائما، قلت والله لأفعلن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقمت وتوضأت وشربت قائما ثم صففت خلفه فأشار إلي لأوازي به ـ أقوم عن يمينه ـ فأبيت فلما قضى صلاته قال: ما منعك أن لا تكون وازيت بي؟ قلت: يا رسول الله أنت أجل في عيني وأعز من أن أوازي بك، فقال: "اللهم آته الحكمة" هـ منه
وفي الشفا عن عمرو بن ميمون قال: اختلفت إلى ابن مسعود سنة فما سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قال في نسيم الرياض صونا لذكره وهيبة له واحتياطا في النقل عنه ـ إلا أنه حدث يوما فجرى على لسانه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم علاه كرب فرأيت العرق ينحدر من جبهته ثم قال: هكذا إن شاء الله أو فوق ذا أو ما دون ذا أو ما هو قريب من ذا، وفي رواية: فتربد وجهه، وفي رواية: وقد تغرغرت عيناه وانتفخت أوداجه. هـ منه
وفي الإصابة للحافظ ابن حجر من حديث قيلة بنت مخرمة التميمية في خبر هجرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتجشم في الجلسة أرعدت من الفرق، فقال لي جليسه يا رسول الله أرعدت المسكينة فقال بيده ولم ينظر إلي وأنا عند ظهره: "يا مسكينة عليك السكينة" فلما قالها أذهب الله ما كان في قلبي من الرعب..انتهى من الإصابة.
 وفي غير الإصابة: قال له جليسه، وفي بعض الروايات: قال جليسه.
وفي منيل الرشاد في شرح بانت سعاد لشيخنا العلامة الشريف حبر الأمة الشيخ بن حم أطال الله عمره في قول كعب بن زهير رضي الله عنه:
حتى وضعت يميني لا أنازعه
لذاك أخوف عندي إذ أكلمه


في كف ذي نقمات قيله القيل
وقيل إنك منسوب ومسئول

أشار إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: لذاك، ويروى أهيب. قوله: منسوب ومسئول: أي لما مثلت بين يديه وكنت قد قيل لي قبل ذلك إنه باحث عنك وسائل عنك حصل لي من الرهبة ما حصل.
وفي المواهب اللدنية للقسطلاني في ذكر عقبة بن عامر: وكان صاحب بغلته يقود به صلى الله عليه وسلم في الأسفار، روينا عنه أنه قال: بينما أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك المقانب إذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اركب يا عقبة" قال فأجللت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركبه ثم أشفقت أن يكون معصية فقلت: فركبت هنيهة ثم نزلت، ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم وقدت به، فقال لي: "يا عقبة ألا أعلمك من خير سورتين قرأ بهما الناس" فقلت: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله فقال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس}. الحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
                  

4- حسن اتباعهم له صلى الله عليه وسلم
في الحلية لأبي نعيم عن موسى بن عقبة عن نافع قال: لو نظرت إلى ابن عمر رضي الله تعالى عنه إذا اتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلت هذا مجنون.
وفيها عن عاصم الأحول عمن حدثه قال: كان ابن عمر إذا رآه أحد ظن أن به شيئا من تتبعه آثار النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيها عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يأخذ برأس راحلته يثنيها ويقول لعل خفا يقع على خف ـ يعني راحلة النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح البخاري في الكلام على الحديبية عن نافع: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما خرج معتمرا في الفتنة فقال: إن صددت عن البيت صنعت كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بعمرة من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية.
وفي البخاري عن ابن عمر أنه أهل وقال: إن حيل بيني وبينه فعلت كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين حالت كفار قريش بينه وتلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة}.
وفي البخاري ـ كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة: باب الإقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني اتخذت خاتما من ذهب" فنبذه وقال: "إني لن ألبسه أبدا" فنبذ الناس خواتيمهم.
وفي البخاري ـ كتاب اللباس ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب أو فضة وجعل فصه مما يلي كفه ونقش فيه محمد رسول الله، فاتخذ الناس مثله فلما رآهم قد اتخذوها رمى به، وقال: "لا ألبسه أبدا" ثم اتخذ خاتما من فضة فاتخذ الناس خواتيم الفضة، قال ابن عمر فلبس الخاتم بعد النبي صلى الله عليه وسلم: أبوبكر ثم عمر ثم عثمان حتى وقع في بئر أريس.
وفي البخاري ـ كتاب المغازي ـ: وقال الليث حدثني يونس أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفا أسامة بن زيد ومعه بلال ومعه عثمان من الحجبة حتى أناخ في المسجد فأمره أن يأتي بمفتاح البيت فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة فمكث فيه نهارا طويلا، ثم خرج فاستبق الناس فكان عبد الله بن عمر أول من دخل فوجد بلالا وراء الباب قائما فسأله: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار له على المكان الذي صلى فيه، قال عبد الله فنسيت أن أسأله: كم صلى سجدة؟.
وفي رواية أخرى للبخاري: فقال صلى بين ذينك العمودين المقدمين، وكان البيت على ستة أعمدة سطرين صلى بين العمودين من السطر المقدم وجعل باب البيت خلف ظهره واستقبل بوجهه الذي يستقبلك حين تلج البيت بينه وبين الجدار، قال: ونسيت أن أسأله كم صلى، وعند المكان الذي صلى فيه مرمرة حمراء. اهـ منه.
وفي صحيح البخاري من كتاب الألفاظ من الأدب: عن نافع قال: كان ابن عمر إذا استجمر استجمر بالألوة غير مطراة وبكافور يطرحه مع الألوة، ثم قال: هكذا كان يستجمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال النووي في شرحه وأما الألوة فقال الأصمعي وأبو عبيد وسائر أهل اللغة والغريب: هي العود، وقوله "غير مطراة" أي مخلوطة بغيرها من الطيب.
وفي الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد عن عكرمة مولى ابن عباس قال: رأيت ابن عباس إذا اتزر أرخى مقدم إزاره حتى تقع حاشيتاه على ظهر قدميه ويرفع الإزاء مما وراءه قال فقلت له لم تأتزر هكذا؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتزر هذه الأزرة.
وفيها عن ابن جريج أنه قال لابن عمر رأيتك تحفي شاربك، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحفي شاربه.
وفيها عن عبد الله بن جريج قال: قلت لابن عمر يا أبا عبد الرحمن أراك تستحب هذه النعال السبتية، قال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويتوضأ فيها.
وفيها أن عثمان بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فأجاره أبان بن سعيد حمله على سرجه وردفه حتى قدم به مكة فقال: يا ابن عم أراك متخشعا أسبل إزارك كما يسبل قومك، قال: هكذا يأتزر صاحبنا إلى أنصاف ساقيه، قال يا ابن عم طف بالبيت، قال إنا لا نصنع شيئا حتى يصنع صاحبنا ونتبع أثره.
وفي صحيح البخاري ـباب الصلاة بغير رداءـ عن محمد بن المنكدر قال: دخلنا على جابر بن عبد الله وهو يصلي في ثوب ملتحفا به ورداؤه موضوع فلما انصرف قلنا: يا أبا عبد الله أتصلي ورداؤك موضوع قال: نعم أحببت أن يراني الجهال مثلكم، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي هكذا.
وفي الحلية لأبي نعيم عن سويد بن غفلة عن عمر أنه قبل الحجر وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا.
وفي الحلية أيضا عند ذكر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الصفة: وكذلك كان أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأولاده يوالونهم ويخالطونهم اقتداء واستنانا به صلى الله عليه وسلم. وذكر الحسن بن علي وعبد الله بن جعفر ممن كان يكثر مجالستهم ومخالطتهم.
وفيها عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: انطلقت مع عبد الله بن عمرو إلى البيت فلما جئنا دبر الكعبة قلت بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وبسط ذراعيه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل.
وفي سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي أن عبد الله بن رواحة أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فسمعه وهو يقول "اجلسوا" فجلس مكانه خارج المسجد حتى فرغ من خطبته فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال "زادك الله حرصا على طواعية الله ورسوله".
وفيها عن محمد بن كعب قال: كان أبو أيوب يخالف مروان فقال: ما يحملك على هذا؟ قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات فإن وافقته وافقناك وإن خالفته خالفناك.
وفي الشفا لعياض أن عمر رضي الله عنه صلى بذي الحليفة ركعتين فقال: أصنع كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، قال في نسيم الرياض: رواه مسلم.
وفيه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ.
قال في نسيم الرياض شرح الشفا لعياض: وهذا رواه عنه أبو داود والبخاري وغيرهما.
وفيه: ورئى عبد الله بن عمر يدير ناقته في مكان فسئل فقال: لا إلا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ففعلته.
قال الإمام علي القارى: رواه أحمد والبزار بسند صحيح وكذلك قال الإمام الخفاجي في نسيم الرياض وقال عند قوله (ففعلته): اقتداء به صلى الله عليه وسلم وفيه أنه يستحب الإقتداء بأفعاله صلى الله عليه وسلم تيمنا وتبركا. اهـ. منه.
وفي الشمائل للترمذي: عن النزال بن سبرة قال أتي علي بكوز من ماء وهو في الرحبة فأخذ منه كفا فغسل يديه ومضمض واستنشق ومسح وجهه وذراعيه ورأسه، ثم شرب وهو قائم ثم قال: هذا وضوء من لم يحدث هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل.
وفي الأذكار النووية: وروينا في كتاب أبي داود والترمذي والنسائي بالأسانيد الصحيحة عن علي بن أبي ربيعة قال شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم ضحك فقلت: يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعلت ثم ضحك فقلت يا رسول الله من أي شيء ضحكت قال: "إن ربك سبحانه يعجب من عبده إذا قال اغفرلي ذنوبي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيره. هذا لفظ رواية أبي داود قال الترمذي: حديث حسن وفي بعض النسخ: حسن صحيح.
وفي صحيح البخاري ـ باب الشرب قائما ـ عن النزال قال: أتي علي رضي الله عنه على باب الرحبة فشرب قائما فقال: إن ناسا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم وإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت.

5- تبركهم بآثاره وتعظيمهم لأسبابه صلى الله عليه وسلم
في صحيح البخاري من كتاب الأطعمة ـ باب الدباء ـ عن أنس  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى مولى له خياطا فأتي بدباء فجعل يأكله فلم أزل أحبه منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكله.
وفي صحيح البخاري من كتاب الدعوات ـ باب الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رؤوسهم ـ عن أبي عقيل أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام من السوق أو إلى السوق فيشتري الطعام فيلقاه ابن الزبير وابن عمر فيقولان أشركنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعالك بالبركة فربما أصاب الراحلة كما هي فيبعث بها إلى المنزل.
وفي صحيح البخاري من كتاب المغازي عن ابن شهاب أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صعير وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد مسح وجهه عام الفتح...  . اهـ
وفي صحيح البخاري من كتاب المغازي أيضا في ذكر هدم جرير لذي الخلصة: (وكنت لا أثبت على الخيل فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضرب يده على صدري حتى  رأيت أثر يده في صدري فقال: "اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا" قال: فما وقعت عن فرسي بعد) الحديث
قال في فتح الباري: قوله (وكنت لا أثبت على الخيل فضرب على صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري) في حديث البراء عند الحاكم: (فشكا جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلع، فقال: "ادن مني" فدنا منه فوضع يده على رأسه ثم أرسلها على وجهه وصدره حتى بلغ عانته ثم وضع يده على رأسه وأرسلها على ظهره حتى انتهت إلى أليته وهو يقول مثل قوله الأول) فكان ذلك للتبرك بيده المباركة.
 وفي صحيح البخاري ـ باب في الشرب ـ عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فشرب منه وعن يمينه غلام أصغر القوم والأشياخ عن يساره فقال: "يا غلام أتاذن لي أن أعطيه الأشياخ؟" قال: ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدا يارسول الله.
وفي صحيح البخاري من كتاب اللباس – باب البرود والحبرة – عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة ببردة – قال سهل هل تدري ما البردة؟ قال نعم الشملة منسوج في حاشيتيها – قالت يارسول إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فخرج إلينا وإنها لإزاره، فجسها رجل من القوم فقال: يا رسول الله اكسنيها، قال "نعم" فجلس ما شاء الله في المجلس، ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه: فقال القوم: ما أحسنت سألتها إياه وقد عرفت أنه لا يرد سائلا، فقال الرجل: والله ما سألتها إلا لتكون كفني يوم أموت، قال سهل: فكانت كفنه.
وفي صحيح مسلم – باب قرب النبي عليه السلام من الناس وتبركهم به- :  
عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيها فربما جاؤوه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها.
وفي صحيح مسلم عن أنس قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه و أطاف به أصحابه فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد الرجل.
قال الإمام النووي في شرحه لمسلم –باب قرب النبي صلى الله عليه وسلم من الناس وتبركهم به- : وفيه التبرك بآثار الصالحين وبيان ما كانت الصحابة عليه من التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم وتبركهم بإدخال يده الكريمة في الآنية وتبركهم بشعره الكريم وإكرامهم إياه أن يقع شيء منه إلا في يد رجل سبقت إليه.
وفي صحيح مسلم في باب طيب عرقه صلى الله عليه وسلم والتبرك به عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست فيه قال فجاء ذات يوم فنام على فراشها فأتت فقيل لها هذا النبي صلى الله عليه وسلم نام في بيتك على فراشك، قال فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش ففتحت عتيدتها فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما ذا تصنعين يا أم سليم؟" فقالت يا رسول الله نرجوا بركته لصبياننا قال: "أصبت".
قال النووي في معنى العتيدة: هي كالصندوق الصغير تجعل المرأة فيه ما يعز من متاعها.
وأخرج مسلم في باب: طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم ولين مسه والتبرك بمسه، عن جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا، فقال وأما أنا فمسح خدي، قال فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار.
قال النووي، جؤنة عطار: هي السقط الذي فيه متاع العطار هكذا فسره الجمهور، وقال صاحب العين هي سليلة مستديرة مغشاة.
 وفي شمائل الترمذي عن نافع عن ابن عمر قال: اتخذ رسول الله صلى عليه وسلم خاتما من ورق فكان في يده ثم كان في يد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ثم كان في يد عثمان رضي الله عنه حتى سقط في بئر أريس نقشه محمد رسول الله. صلى الله عليه وسلم.
قال العلامة جسوس في شرحه للشمائل: وفي الحديث التبرك بآثار الصالحين وجواز لبس ملابسهم ولبس الخاتم.
وفي الشمائل للترمذي أيضا عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن جدته كبشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشرب من قربة معلقة قائما فقمت إلى فيها فقطعته.
قال جسوس : أي لأجل التبرك أو عدم الابتذال أو لهما معا.
وفي الشمائل عن ثابت قال: أخرج إلينا أنس بن مالك قدح خشب غليظا مضببا بحديد فقال: يا ثابت هذا قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال جسوس في شرحه: وصح أيضا أن أنس بن مالك أراد أن يجعل حلقة الحديد التي كانت في قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقة من فضة أو ذهب فنهاه أبو طلحة وقال : لا تغير شيئا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ابن حجر: واشتري هذا القدح من ميراث النضر بن أنس بثلاثمائة ألف، وعن البخاري أنه رآه بالبصرة وشرب منه.
وفي الشمائل أيضا في صفة إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جدته سلمى أن الحسن بن علي وابن عباس وابن جعفر أتوها فقالوا لها اصنعي لنا طعاما مما كان يعجب رسول الله صلى عليه وسلم ويحسن أكله فقالت : يابني لا تشتهيه اليوم قال بلى اصنعيه لنا قال فقامت فأخذت شيئا من الشعير فطحنته ثم جعلته في قدر وصبت عليه شيئا من زيت ودقيق الفلفل والتوابل فقربته إليهم فقالت هذا مما كان يعجب النبي صلى الله عليه وسلم .
قال جسوس : عند قوله(بلى اصنعيه لنا): لأنا نشتهيه على سبيل البركة، ونفيها محمول على طريق الطبع.
وفيها عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول إن خياطا دعا رسول الله عليه وسلم لطعام صنعه فقال أنس فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب إلى رسول الله صلى الله وعليه وسلم خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد، قال أنس فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء حوالي القصعة فلم أزل أحب الدباء من يومئذ .
قال جسوس : وهذا من صريح إيمانه رضي الله عنه فإن محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم مؤدية إلى محبة ما كان يحبه حتى من مأكول ومشروب وملبوس، وفي الحديث فوائد: مؤاكلة الخادم وأن كسب الخياط ليس بدنيء وأنه يسن محبة الدباء لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك كل شيء كان يحبه ذكره النووي .
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن نيار الأسلمي قال: لما أجمع عمر على أن يستسقى ويخرج بالناس كتب إلى عماله أن يخرجوا يوم كذا وكذا وأن يتضرعوا إلى ربهم ويطلبوا إليه أن يرفع هذا المحل عنهم، قال وخرج لذلك اليوم عليه برد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي الطبقات في ذكر أصناف لباسه صلى الله عليه وسلم: عن عروة بن الزبير أن ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج فيه إلى الوفود ورداؤه حضرمي طوله أربع أذرع وعرضه ذراعان وشبر فهو عند الخلفاء قد خلق وطووه بثوب يلبسونه يوم الأضحى والفطر.
 وفي منيل الرشاد في شرح بانت سعاد لشيخنا العلامة الشريف حبر الأمة الشيخ بن حم حفظه الله تعالى: وفي رواية ابن الأنباري أنه لما وصل إلى قوله إن الرسول لسيف .. إلخ البيت رمى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بردة كانت عليه وأن معاوية رضي الله عنه بذل له فيها عشرة آلاف درهم فقال: ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، فلما مات كعب بعث معاوية إلى ورثته بعشرين ألف درهم.
فأخذها منهم، قال: وهي البردة التي عند السلاطين إلى اليوم. اهـ منه
وفي عمود النسب للعلامة أحمد البدوي المجلسي رحمه الله:
ومن مزينة إياس الذكي
خوله النبي بردة على


وذو البجادين وكعب الزكي
بانت سعاد وغلت كلا الغلا

قال شارحه حماد بن الأمين: وكان كعب لا يلبسها إلا تبركا. اهـ.منه
وفي طبقات ابن سعد في ذكر طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان يعجبه منه: عن أبي طالوت دخلت على أنس بن مالك وهو يأكل القرع وهو يقول: يالك شجيرة ما أحبك إلي، لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك.
ومنها عن يحيى بن عباد عن أبيه قال: كان لنا جلجل من ذهب فكان الناس يغسلونه وفيه شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فتخرج منه شعرات غيرت بالحناء والكتم.
وفي صحيح البخاري عن أبي جحيفة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة قال شعبة وزاد فيه عون عن أبيه أبي جحيفة قال كان يمر من ورائها المرأة وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم فأخذت يده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك.
وفيه عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: أرسلني أهلي الى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بقدح من ماء وقبض إسرائيل ثلاث أصابع من قصة فيه من شعر النبي صلى الله عليه وسلم وكان إذا أصاب الإنسان عين أو شىء بعث إليها مخضبه فاطلعت فى الجلجل فرأيت شعرات حمرا.
وفي صحيح البخاري من كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة عن أبي بردة قال: قدمت المدينة فلقيني عبد الله بن سلام فقال لي انطلق إلى المنزل فأسقيك في قدح شرب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصلي في مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقت معه فسقاني سويقا وأطعمني تمرا وصليت في مسجده.
وفي الطبقات عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه نظر إلى ابن عمر وضع يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه.
وفي الإصابة لابن حجر العسقلاني: عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه أن خالد بن الوليد فقد قلنسوة يوم اليرموك فقال اطلبوها حتى تجدوها ثم وجدوها فإذا هي خلقة فسئل عن ذلك فقال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه فابتدر الناس شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة فلم أشهد قتالا وهي معي إلا تبين لي النصر. اهـ منه
وفي البخاري عن أبي موسى قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فأتى أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني فقال: "أبشر" قال: قد أكثرت علي من البشرى، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي وعلى بلال فقال: "إن هذا رد البشرى فاقبلا أنتما" فقال: قبلنا يارسول الله، فدعا بقدح فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه ثم قال: "اشربا منه وأفرغا على رؤوسكما ونحوركما"، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما فأفضلا لها منه.
وفي المواهب اللدنية للقسطلاني: وأخرج ابن سعد وأبو نعيم من طريق الواقدي حدثني هشام عن أبيه عن أم معبد قالت: بقيت الشاة التي لمس عليه السلام ضرعها عندنا حتى كان زمان الرمادة زمان عمر بن الخطاب، وكنا نحلبها صبوحا وغبوقا وما في الأرض قليل ولا كثير. 
وفي سنن الترمذي في أبواب المناقب عن أبي هريرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبسطت ثوبي عنده ثم أخذه فجمعه على قلبي قال: فما نسيت بعده.
وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة قال: قلت يا رسول الله أسمع منك أشياء فلا أحفظها، قال: "ابسط رداءك" فبسطته فحدث حديثا كثيرا فما نسيت شيئا حدثني به.
وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات فقلت: يا رسول الله ادع الله فيهن بالبركة، فضمهن ثم دعا لي فيهن بالبركة، فقال لي: "خذهن فاجعلهن في مزودك هذا أو في هذا المزود كلما أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فيه فخذه ولا تنتثره نثرا"، فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله، وكنا نأكل منه ونطعم وكان لا يفارق حقوي حتى كان يوم قتل عثمان فإنه انقطع.
وفي الطبقات لابن سعد في ذكر صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن محمد بن بشر بن حميد عن أبيه قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول في خلافته بخناصرة: سمعت بالمدينة، والناس يومئذ بها كثير، من مشيخة المهاجرين والأنصار أن حوائط النبي صلى الله عليه وسلم يعني السبعة التي وقف من أموال مخيريق، وقال إن أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله، وقتل يوم أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مخيريق خير يهود"، ثم دعى لنا عمر بتمر في طبق فقال: كتب إلى أبوبكر بن حزم يخبرني أن هذا التمر من العذق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منه، قال: قلت يا أمير المومنين فاقسمه بيننا، قال فقسمه فأصاب كل رجل منا تسع تمرات، قال عمر بن عبد العزيز: قد دخلتها إذ كنت واليا بالمدينة وأكلت من هذه النخلة ولم أر مثلها من التمر أطيب ولا أعذب.
وفي فتح المنعم شرح زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم للعلامة محمد حبيب الله بن مايابى الجكني عند الكلام على حديث الصحيحين "من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر"، قال مقيده رحمه الله تعالى: كون تمر المدينة لا يضر معه السم ولا السحر لا يخفى على من نور الله بصيرته أن سبب ذلك بركة سكنى النبي صلى الله عليه وسلم فيها ودفنه بها ودعاؤه لها بالبركة الثابت في الصحيح، ومن ذلك أن غبارها شفاء من كل داء وفي رواية شفاء من الجذام وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يلتثم عن غبارها كما فعله في رجوعه من غزوة تبوك...اهـ.
وفي الطبقات من خبر وفد بنى البكاء أن معاوية بن ثور من بنى البكاء قال للنبي صلى الله عليه وسلم إني أتبرك بمسك وقد كبرت وابنى هذا بر بي فامسح وجهه، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه بشر بن معاوية، وأعطاه أعنزا وعفرا وبرك عليهن، قال الجعد: فالسنة ربما أصابت وفد بني البكاء ولا تصيبهم، قال محمد بن بشر:
وأبى الذي مسح الرسول برأسه


ودعا له بالخير والبركات

وأورد الحافظ الذهبي عن أيوب عن ابن سيرين عن أم سليم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيل في بيتي وكنت أبسط له نطعا فيقيل عليه فيعرق فكنت آخذ سكا فأعجنه بعرقه، قال: ابن سيرين فاستوهبت من أم سليم من ذلك فوهبت لي منه، قال أيوب: فاستوهبت من محمد من ذلك السك فوهب لي منه فإنه عندي الآن، قال ولما مات محمد حنط من ذلك السك.
وفي سير أعلام النبلاء أيضا: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير ـ وكان فيه مزاح ـ أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم بعود كان معه، فقال: أصبرني فقال: "اصطبر" قال إن عليك قميصا وليس على قميص قال: فكشف النبي صلى الله عليه وسلم قميصه قال فجعل يقبل كشحه ويقول: إنما أردت هذا يا رسول الله. أهـ منه
ومثل هذا ما ورد في كتب السير من خبر سواد بن غزية يوم بدر، قال البدوي في نظم الغزوات:
وابن غزية سواد استنتلا
نبينا فمسه في كشحه
أوجعتني نخسا فأعطني القود


عن صفه فرام أن يعتدلا
وقال إذ آلم مس قدحه
وجد في أن كان باشر الجسد

وفي الإصابة لابن حجر من حديث أبي أيوب الأنصاري: قلت يا رسول الله كنت ترسل إلي بالطعام فأنظر وأضع أصابعي حيث أرى أثر أصابعك.. الحديث.
 وفي الإصابة أيضا في ترجمة  زياد بن عبد الله بن مالك الهلالي ابن أخت ميمونة أم المومنين أنه دخل منزل ميمونة أم المؤمنين وكانت خالته واسم أمه عزة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فرآه عندها فغضب فقالت: يا رسول الله إنه ابن أختي فدعاه فوضع يده على رأسه ثم حدرها على طرف أنفه فكان بنو هلال يقولون: ما زلنا نعرف البركة في وجه زياد.
قال ابن حجر وقال الشاعر لعلي بن زياد المذكور:
يا ابن الذي مسح الرسول برأسه
ما زال ذاك النور في عرنينه


ودعا له بالخير عند المسجد
حتى تبوأ بيته في ملحد

وفي الشفا كان لأبي محذورة قصة في مقدم رأسه إذا قعد وأرسلها أصابت الأرض فقيل ألا تحلقها فقال لم أكن بالذي أحلقها و قد مسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده.
وقال في نسيم الرياض: وكان لما قدم رسول الله صلى عليه وسلم مكة أذن له بها وهو مع فتية من قريش سمعوا الأذان فاستهزؤوا به وجعل أبو محذورة يحاكي الأذان استهزاء فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بإحضاره فلما مثل بين يديه ظن أنه مقتول فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته وصدره بيده قال فامتلأ قلبي يقينا وإيمانا وعلمت أنه رسول الله فأسلم، وعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان وأمره أن يؤذن لأهل مكة وهو ابن ستة عشر سنة فكان مؤذنهم حتى مات.
وقال علي القاري في شرح الشفا: قال الواقدي وتوارث الأذان بعده بمكة ولده وولد ولده إلى اليوم في المسجد الحرام.
وقال ابن عبد البر في الإستيعاب قال الزبير كان أبو محذورة أحسن الناس أذانا وأنداهم صوتا قال له عمر يوما وسمعه يؤذن: كدت أن ينشق مريطاؤك، قال وأنشدني عمي مصعب لبعض شعراء قريش في أذان أبي محذورة:
أما ورب الكعبة المستوره
والنغمات من أبي محذوره


وما تلا محمد من سوره
لأفعلن فعلة مذكوره

وفي صحيح البخاري من باب قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة عن عائشة رضي الله عنها: أول مولود ولد في الإسلام عبد الله بن الزبير: أتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم تمرة فلاكها، ثم أدخلها في فيه، فأول ما دخل بطنه ريق النبي صلى الله عليه وسلم.
تنبيه: وقد تبرك البخاري بذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في باب تسمية من سمي من أهل بدر، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله النبي محمد بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه وسلم، قلت بدأبه تبركا و تيمنا بذكره، وإلا فذلك من المقطوع به.
وفي المواهب اللدنية للقسطلاني في خبر أحد: وانقطع سيف عبد الله بن جحش فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجونا فعاد في يده سيفا، فقاتل به وكان ذلك السيف يسمى العرجون، ولم يزل يتوارث حتى بيع من بغا التركي من أمراء المعتصم بالله في بغداد بمائتي دينار.
وفي مقدمة الإصابة لابن حجر: القسم الثاني في من ذكر من الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال لتوفر دواعي أصحابه على إحضارهم أولادهم عند ولادتهم يحنكهم ويسميهم ويبرك عليهم والأخبار بذلك شهيرة، ففي صحيح مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتي بالصبيان فيبرك عليهم، وأخرج الحاكم في كتاب الفتن في المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف قال: ما كان يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له، الحديث.
وفي الإصابة عند ذكر عبد الله بن أبي طلحة: ثبت ذكره في حديث أنس في الصحيح أنه لما ولدته أم سليم قالت يا أنس اذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحنكه فكان أول شيء دخل جوفه ريق النبي صلى الله عليه وسلم وحنكه بتمرة فجعل يتلمظ فقال: "حب الأنصار التمر".




6- حزنهم وبكاؤهم لفراقه صلى الله عليه وسلم
في صحيح البخاري عن أنس قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة عليها السلام: واكرب أباه فقال لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم" فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب.
 قال ابن حجر في فتح الباري: قوله (فلما دفن قالت فاطمة: يا أنس  الخ)، وهذا من رواية أنس عن فاطمة، وأشارت عليها السلام بذلك إلى عتابهم على إقدامهم على ذلك لأنه يدل على خلاف ما عرفته منهم من رقة قلوبهم عليه لشدة محبتهم له، وسكت أنس عن جوابها رعاية لها ولسان حاله يقول: لم تطب أنفسنا بذلك إلا أنا قهرناها على فعله امتثالا لأمره، وقد قال أبو سعيد فيما أخرجه البزار بسند جيد: وما نفضنا أيدينا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا، ومثله في حديث ثابت عن أنس عند الترمذي وغيره.
وفي صحيح مسلم من كتاب فضائل الصحابة عن عائشة قالت: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "مرحبا بابنتي" فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم إنه أسر إليها حديثا فبكت فاطمة ثم إنه سارها فضحكت أيضا فقلت لها ما يبكيك؟ فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فقلت لها حين بكت أخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين؟ وسألتها عما قال فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قبض سألتها فقالت: إنه كان حدثني "أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة وإنه عارضه به في العام مرتين ولا أراني إلا قد حضر أجلي وإنك أول أهلي لحوقا بي ونعم السلف أنا لك" فبكيت لذلك، ثم إنه سارني فقال "ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة" فضحكت لذلك.
وفي صحيح مسلم من كتاب فضائل الصحابة – باب فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه – عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر فقال: "عبد خيره الله بين زهرة الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده"، فبكى أبو بكر فقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال فكان رسول الله صلى الله وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا به.
قال الإمام النووي في شرحه لمسلم: وكان أبو بكر رضي الله عنه علم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو العبد المخير فبكى حزنا على فراقه وانقطاع الوحي وغيره من الخير دائما وإنما قال صلى الله عليه وسلم إن عبدا وأبهمه لينظر منهم أهل المعرفة ونباهة أصحاب الحذق.
وللعلامة بنيس في شرح الهمزية: ولما مرض –أبو بكر– ترك التداوي تسليما لأمر الله تعالى فقيل له ألا ندعوا لك الطبيب قال: نظر إلي، قيل وما قال لك؟ قال: قال لي: إني فعال لما أريد، يقال إن سبب موته كمد أي حزن مكتوم أصابه من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال يذيب جسمه وتوفي رضي الله تعالى عنه وسنه كسن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح البخاري عن عائشة وابن عباس أن أبا بكر رضي الله عنه قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته.
قال في فتح الباري: وفي رواية يزيد بن بانوس عنها: أتاه من قبل رأسه فحدر فاه فقبل جبهته ثم قال: وانبياه، ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبل جبهته ثم قال: واصفياه ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبل جبهته ثم قال: واخليلاه.
ولابن أبي شيبة عن ابن عمر: فوضع فاه على جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقبله ويبكي ويقول: بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا، انتهي من فتح الباري.
وأخرج مسلم في صحيحه عن أنس قال: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها.
قال الإمام النووي: فيه زيارة الصالحين وفضلها وزيارة الصالح لمن هو دونه وزيارة الإنسان لمن كان صديقه يزوره ولأهل ود صديقه، وزيارة جماعة من الرجال للمرأة الصالحة وسماع كلامها، واستصحاب العالم والكبير في الزيارة والعيادة ونحوهما، والبكاء على فراق الصالحين والأصحاب وإن كانوا قد انتقلوا إلى أفضل مما كانوا عليه والله أعلم.
وفي الطبقات الكبرى لابن سعد من خبر عمرة أبي بكر سنة اثنتى عشرة: وجاء إلى مكة عتاب بن أسيد وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام فسلموا عليه: سلام عليك يا خليفة رسول الله وصافحوه جميعا فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنه أيضا: ولقيه الناس يتمشون في وجهه ويعزونه بنبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي حتى انتهى إلى البيت.
وفيها عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع قال: جاء علي بن أبي طالب يوما متقنعا متحازنا، فقال أبو بكر:أراك متحازنا، فقال علي إنه عناني ما لم يعنك، قال أبو بكر: اسمعوا ما يقول أنشدكم الله أترون أحدا كان أحزن على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني؟.
وفيها عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت عثمان يقول: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحزن عليه رجال من أصحابه حتى كاد بعضهم يوسوس، فكنت ممن حزن عليه فبينما أنا جالس في أطم من آطام المدينة وقد بويع أبو بكر إذ مر بي عمر فلم أشعر به لما بي من الحزن فانطلق عمر حتى دخل على أبي بكر فقال: يا خليفة رسول الله ألا أعجبك؟ مررت على عثمان فسلمت عليه فلم يرد علي السلام.
وفيها عن عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه قال: ما سمعت ابن عمر يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى.
وفيها عن القاسم بن محمد أن رجلا من أصحاب النبي ذهب بصره فدخل عليه أصحابه يعودونه فقال: إنما كنت أريدها لأنظر بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما إذ قبض الله نبيه فما يسرني أن ما بهما بظبي من ظباء تبالة.
وفي القرطبي أن عبد الله بن زيد الأنصاري لما مات النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعمني فلا أرى شيئا بعد فعمي مكانه، وحكاه القشيري فقال: أعمني فلا أرى شيئا بعده فعمي مكانه.
وفي الطبقات عن عطاء بن يسار قال: اجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في مرضه الذي مات فيه فقالت صفية زوجته أما والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي فغمزتها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأبصرهن النبي صلى الله عليه سلم فقال "مضمضن" فقلن من أي شيء يا رسول الله؟ قال "من تغامزكن بصاحبتكن والله إنها لصادقة".
وفيها عن شبل بن العلاء عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة بكت فاطمة عليها السلام فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم "لا تبكي يا بنية قولي إذا مت {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} فإن لكل إنسان بها من كل مصيبة معوضة" قالت ومنك يا رسول الله قال: "ومني".
وفى الحلية عن عمرو عن أبي جعفر قال ما رأيت فاطمة ضاحكة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا يوما افترت بطرف نابها.
وأخرج ابن سعد أيضا في الطبقات عن أنس بن مالك: بينما أبو بكر وعمر جالسان في نحر المنبر إذ طلع عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض بيوت نسائه يمسح لحيته ويرفعها فينظر إليها، قال أنس: وكانت لحيته أكثر شيبا من رأسه، فلما وقف عليهما سلم، قال أنس: وكان أبو بكر رجلا رقيقا وكان عمر رجلا شديدا، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي لقد أسرع فيك الشيب، فرفع لحيته بيده ونظر إليهما فترقرت عينا أبي بكر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أجل شيبتني هود وأخواتها" قال أبو بكر: بأبي أنت وأمي وما أخواتها؟ قال "الواقعة والقارعة وسال سائل وإذا الشمس كورت" قال أبو صخر فأخبرت هذا الحديث ابن قسيط فقال يا أحمد مازلت أسمع هذا الحديث من أشياخي فلم تركت: الحاقة وما أدراك ما الحاقة.
وفي الطبقات أيضا عن الشعبي عن مسروق قال: بينما عائشة رضي الله عنها تحدثني ذات يوم إذ بكت فقلت: ما يبكيك؟ قالت ما ملأت بطني من طعام فشئت أن أبكي إلا بكيت أذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان فيه من الجهد.
وفيها عن نوفل بن إياس الهذلي قال: كان عبد الرحمن بن عوف لنا جليسا وكان نعم الجليس، وإنه انقلب بنا ذات يوم حتى دخلنا بيته ودخل فاغتسل ثم خرج فجلس معنا وأتانا بجفنة فيها خبز ولحم فلما وضعت بكى عبد الرحمن فقلت يا أبا محمد ما يبكيك فقال: فارق رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا ولم يشبع هو ولا أهل بيته من خبز الشعير ولا أرانا أخرنا لما هو خير منه.
وفي الجامع لأحكام القرآن: روى أبو صالح عن علي قال: قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله صلى عليه وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحثا على رأسه من ترابه فقال: قلت يا رسول الله فسمعنا قولك ووعيت عن الله فوعينا عنك، وكان فيما أنزل الله عليك: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} الآية، وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر أنه قد غفر لك.
وفي سير أعلام النبلاء قول عمر لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما: مالي أراك شعثت واغبررت منذ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قدمنا الشام مع عمر فأذن بلال فذكر الناس النبي صلى الله عليه وسلم فلم أر يوما أكثر باكيا منه.
قال البدوي في نظم عمود النسب:
بلال السابق جيش الحبشه
أذن للنبي والصديـــق
فذكر النبي فانهلت لــه


ومن له وسط الجنان خشخشه
ومرة أذن للفــــــاروق
دموعهم لذاك ما استعملــه

وفي الحلية عن عمرو بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما وضعت لبنة على لبنة ولا غرست نخلة منذ قبض النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الحلية أيضا عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها –{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} الآية –  فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض.
وفي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للقسطلاني: وفي رواية الدارمي قال أنس: ما رأيت يوما كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل فيه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وما رأيت يوما كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية الترمذي: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا أيدينا من التراب، وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.
وفي الصاوي علي الجلالين عن مقاتل: لما نزلت سورة النصر قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وفيهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص والعباس ففرحوا واستبشروا، وبكى العباس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك يا عم؟" قال: نعيت إلى نفسك، قال "إنه كما قلت".
وفي الشفا لعياض قال إسحاق التجيبى كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعده لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرت جلودهم وبكوا.
قال في نسيم الرياض (وبكوا): حزنا لفراقه وشوقا للقائه صلى الله عليه وسلم.
وفيه عن زيد بن أسلم: خرج عمر رضي الله عنه ذات ليلة يحرس الناس فرأى مصباحا في بيت وإذا عجوز تنفش صوفا وتقول:
على محمد صلاة الأبرار
قد كنت صواما بكا بالأسحار
هل تجمعني وحبيبي الدار


صلى عليه الطيبون الأخيار
ياليت شعري والمنايا أطوار

تعني النبي صلى الله عليه وسلم، فجلس عمر يبكي.
وفي الإصابة لابن حجر أن أم رعلة القشيرية أقبلت أيام الردة فذكر لها قصة في الحزن على النبي صلى الله عليه وسلم وتطوافها بالحسن والحسين أزقة المدينة تبكي عليه وأنشد لها مرثية منها:
يا دار فاطمة المعمور ساحتها


هيجت لي حزنا حييت من دار

وفي الطبقات لابن سعد: قال غنيم بن قيس بن سفيان: أشرف علينا راكب فنعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمته وبركاته فنهضنا في الأحويه فقلنا بأبينا وأمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت:
ألا لي الويل على محمد
وفي أمان من عدو معتد


قد كنت في حياته بمقعد

وفي الإصابة: وأنشد أبو الربيع الكلاعي لأبي الهيثم  بن التيهان في النبي صلى الله عليه وسلم مرثية يقول فيها:
لقد جدعت آذاننا وأنوفنا


غداة فجعنا بالنبي محمد

ولأبي بكر الصديق كما في الطبقات:
لما رأيت نبينا متجدلا
وارتعت روعة مستهام واله
أعتيق ويحك إن حبك قد ثوى
يا ليتني من قبل مهلك صاحبي
فلتحدثن بدائع من بعده


ضاقت علي بعرضهن الدور
والعظم مني واهن مكسور
وبقيت منفردا وأنت حسير
غيبت في جدث علي صخور
تعيى بهن جوانح وصدور

وفي المواهب لحسان بن ثابت رضي الله عنه في رثائه للنبي صلى الله عليه وسلم:
كنت السواد لناظري
من شاء بعدك فليمت


فعمى عليك الناظر
فعليك كنت أحاذر

وفي المواهب أيضا لفاطمة رضي الله عنها:
ما ذا على من شم تربة أحمد
صبت علي مصائب لو أنها


أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت على الأيام عدن لياليا

وفي الطبقات لحسان رضي الله عنه:
آليت حلفة بر غير ذي دخل
بالله ما حملت أنثى ولا وضعت
ولا مشى فوق ظهر الأرض من أحد
من ذا الذى كان نورا يستضاء به
مصدقا للنبيين الألى سلفوا
خير البرية إني كنت في نهر
أمسى نساؤك عطلن البيوت فما
مثل الرواهب يلبسن المسوح وقد


مني ألية حق غير إفناد
مثل النبي نبي الرحمة الهادى
أوفى بذمة جار أو بميعاد
مبارك الأمر ذا حزم وإرشاد
وأبذل الناس للمعروف للجادى
جار فأصبحت مثل المفرد الصادى
يضربن خلف قفا ستر بأوتاد
أيقن بالبؤس بعد النعمة البادى

ولحسان بن ثابت قصائد حسان في رثائه صلى الله عليه وسلم أوردها ابن سعد وغيره.
وفي المواهب اللدنية قول أبي سفيان بن الحارث رضي الله عنه:
أرقت فبات ليلي لايزول
وأسعدني البكاء وذاك فيما
فقد عظمت مصيبتنا وجلت
فقدنا الوحي والتنزيل فينا
وذاك أحق ماسالت عليه
نبي كان يجلو الشك عنا
ويهدينا فلا نخشى ضلالا
فلم نر مثله في الناس حيا
أفاطم إن جزعت فذاك حق
فعودي بالعزاء فإن فيه
وقولي في أبيك ولا تملي
فقبر أبيك سيد كل قبر


وليل أخي المصيبة فيه طول
أصيب المسلمون به قليل
عشية قيل قد قبض الرسول
يروح به ويغدو  جبرئيل
نفوس الخلق أو كادت تسيل
بما يوحى إليه وما يقول
علينا والرسول لنا دليل
وليس له من الموتى عديل
وإن لم تجزعي فهو السبيل
ثواب الله والفضل الجزيل
وهل يجزي بفضل أبيك قيل
وفيه سيد الناس الرسول

وفي الإستيعاب لابن عبد البر لصفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ألا  يارسول الله كنت رجاءنا
وكنت رحيما هاديا ومعلما
لعمرك ما أبكى النبي لفقده
كأن على قلبي لذكر محمد
أفاطم صلى الله رب محمد
فدى لرسول الله أمي وخالتي
صدقت وبلغت الرسالة صادقا
فلو أن رب الناس أبقي نبينا
عليك من الله السلام تحية
أرى حسنا أيتمته وتركته


وكنت بنا برا ولم تك جافيا
ليبك عليك اليوم من كان باكيا
وأبكى لما أخشى من الهرج آتيا
وما خفت من بعد النبي المكاويا
على جدث أمسى بيثرب ثاويا
وعمي وآبائي ونفسي وماليا
ومت صليب العود أبلج صافيا
سعدنا ولكن أمره كان ماضيا
وأدخلت جنات  من العدن راضيا
يبكي ويدعو جده اليوم نائيا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق