السبت، 26 فبراير 2011

نيل الظفر 2


- ما كان من المحبة والنصرة في الهجرة
أخرج البخاري في باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة من حديث عائشة: فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين" إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة و تجهز أبو بكر قبل المدينة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على رسلك" فإني أرجو أن يؤذن لي، فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه و علف راحلتين كانتا عنده ورق السمر – وهو الخبط- أربعة أشهر.
ومن حديثها أيضا: قال: "فإني قد أذن لي في الخروج" فقال: أبو بكر: الصحابة بأبي أنت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم" قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالثمن، قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاق، قالت: ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل –وهو لبن منحتهما ورضيفهما –حتى ينعق بها عامربن فهيرة بغلس،يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث.
وفي صحيح البخاري أن الزبير لقيهم فأهدى لهما ثيابا ،وفي فتح الباري أن طلحة أيضا أهدى لهما ثيابا.
وفي فتح الباري أيضا: وذكر أحمد من حديث ابن عباس بإسناد حسن في قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية، قال فتشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم بل أخرجوه، فأطلع الله نبيه على ذلك فبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار..) الحديث، وفيه أيضا: عن موسى بن عقبة: وبات علي بن أبي طالب على فراش النبي صلى الله عليه وسلم يوري عنه، وباتت قريش يختلفون ويأتمرون أيهم يهجم على صاحب الفراش فيوثقه، فلما أصبحوا إذا هم بعلي. اهـ من فتح الباري.
وفي المواهب اللدنية للقسطلاني: ثم أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبق هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه فلما كان الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبوا عليه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فنام مكانه وغطي ببرد أخضر فكان أول من شرى نفسه في الله ووقى بها رسوله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك يقول علي:
وقيت بنفسي خير من وطئ الثرى
رسول إله كاد أن مكروا بــه


ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
فنجاه ذو الطول الإله من المكــر

وفي حلية الأولياء: لأبي نعيم عن أنس بن مالك قال: لما كان ليلة الغار، قال أبو بكر: يا رسول الله دعني فلأدخل قبلك فإن كانت حية أو شيء كانت لي قبلك قال: "ادخل" فدخل أبو بكر فجعل يلتمس بيديه فكلما رأى جحرا جاء بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع، قال فبقي جحر فوضع عقبه عليه، ثم أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "فأين ثوبك يا أبا بكر" فأخبره بالذي صنع، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: "اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة فأوحى الله تعالى إليه "إن الله قد استجاب لك".
وفي الطبقات الكبرى لابن سعد من خبر الهجرة: وأصبح صوت بمكة عاليا بين السماء والأرض يسمعونه ولا يرون من يقول، وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه
هما نزلا بالبر وارتحلا به
فيال قصي ما زوى الله عنكم
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
دعاها بشاة حائل فتحلبت
فغادره رهنا لديهم لحالب


رفيقين حلا خيمتي أم معبد
فأفلح من أمسى رفيق محمد
به من فعال لا يجازي وسؤدد
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
له بصريح ضرة الشاة مزبد
تدربها في مصدر ثم مورد

فأجابه حسان بن ثابت فقال:
لقد خاب قوم غاب عنهم نبيهم
ترحل عن قوم فزالت عقولهم
وهل مستوى ضلال قوم تسلعوا
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله
فإن قال في يوم مقالة غائب
لتهن أبا بكر سعادة جده
ويهن بني كعب مكان فتاتهم


وقدس من يسري إليهم ويغتدي
وحل على قوم بنور مجدد
عمى وهداة يهتدون بمهتد
ويتلو كتاب الله في كل مشهد
فتصديقها في ضحوة اليوم أو غد
بصحبته من يسعد الله يسعد
ومقعدها للمسلمين بمرصد

وفي المواهب اللدنية للقسطلاني: وروى أن أبا بكر لما رأى القافة اشتد حزنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن قتلت أنا فإنما أنا رجل واحد، وإن قتلت أنت هلكت الأمة فعندها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} يعني بالمعونة والنصر {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَه} وهي أمنة تسكن عندها القلوب – على أبي بكر لأنه كان منزعجا {وَأَيَّدَه}– يعني النبي صلى الله عليه وسلم – {بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} من الملائكة ليحرسوه في الغار، أو ليصرفوا وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته.
قال القسطلاني: انظر لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم حزن الصديق قد اشتد لكن لاعلى نفسه، قوى قلبه ببشارة {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وكانت تحفة {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} مدخرة له دون الجميع، فهو الثاني في الإسلام والثاني في بذل النفس والعمر وسبب الموت لما وقى الرسول الله صلى الله عليه وسلم بماله ونفسه، وجوزي بمواراته معه فى رمسه، وقام مؤذن التشريف ينادي على منائر الأمصار {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَار} ولقد أحسن حسان حين قال:
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد
وكان حب رسول الله قد علموا


طاف العدو به إذ صاعد الجبلا
من الخلائق لم يعدل به بدلا

وفي تفسير القرطبي عند قوله تعالى: { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} الآية هذه الآية تضمنت فضائل الصديق رضي الله عنه، روى أصبغ وأبو زيد عن ابن القاسم عن مالك: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} هو الصديق، فحقق الله تعالى قوله له بكلامه ووصف الصحبة في كتابه، قال بعض العلماء: من أنكر أن يكون عمر وعثمان أو أحد من الصحابة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كذاب مبتدع، ومن أنكر أن يكون أبو بكر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر لأنه رد نص القرآن، قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} أي بالنصر والرعاية والحفظ والكلاءة. اهـ
قال القسطلاني وفي رواية: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع رأسه في حجر أبي بكر فنام، فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر ولم يتحرك فسقطت دموعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مالك يا أبا بكر فقال: لدغت فداك أبي وأمي فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ما يجده، رواه رزين.
وفي صحيح البخاري في كتاب فضائل الصحابة –باب مناقب المهاجرين وفضلهم- عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما" الحديث.
قال ابن حجر: ووقع في مغازي عروة بن الزبير في قصة الهجرة قال: وأتى المشركون على الجبل الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه، وسمع أبو بكر أصواتهم فأقبل عليه الهم والخوف، فعند ذلك يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحزن إن الله معنا"، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه السكينة، وفي ذلك يقول الله عز وجل {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} الآية.
وفي البخاري في باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف ونبي الله صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف قال فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، قال فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق، وإنما يعني سبيل الخير، فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال يا رسول الله هذا فارس قد لحق بنا، فالتفت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم اصرعه، فصرعه الفرس ثم قامت تحمحم فقال يا نبي الله مرني بما شئت قال "فقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا"، قال فكان أول النهار جاهدا على نبي الله صلى الله عليه وسلم وكان آخر النهار مسلحة له. الحديث.
قال في فتح الباري: قوله (فقال يا رسول الله هذا فارس وهو سراقة) وقع للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في سفرهم ذلك قضايا منها نزولهم بخيمتي أم معبد: وقصتها أخرجها ابن خزيمة والحاكم مطولة: وروى أبو سعيد في شرف المصطفى من طريق إياس بن مالك بن الأوس الأسلمي قال: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مرا بإبل لنا بالجحفة فقالا لمن هذه، قال لرجل من أسلم فالتفت إلى أبي بكر فقال: سلمت، قال ما اسمك؟ قال مسعود، فالتفت إلى أبي بكر فقال سعدت. ووصله ابن السكن والطبراني عن إياس عن أبيه عن جده أوس بن عبد الله بن حجر فذكر نحوه مطولا وفيه: إن أوسا أعطاهما فحل إبله، وأرسل معهما غلامه مسعود، وأمره أن لا يفارقهما حتى يصلا المدينة، انتهى من فتح الباري.
وفي البخاري –باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة– من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما: ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جعل الإماء يقلن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم..  الحديث.
وفي فتح الباري: من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه أنه نزل على سعد بن خيثمة، وفيه قول ابن شهاب إنه نزل على كلثوم بن الهدم هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة قال كلثوم: يا نجيح –لمولى له- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنجحت".
وفي صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها في باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة: فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا فطفق من جاء من الأنصار–ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم– يحيي أبا بكر، حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس، حتى بركت عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، الحديث.
قال في فتح الباري: قوله (ثم ركب راحلته) وقع عند ابن إسحاق وابن عائذ أنه ركب من قباء يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني عمرو بن عوف فقالوا يا رسول الله هلم إلى العدد والقوة انزل بين أظهرنا، وعند أبي الأسود عن عروة نحوه وزاد وصاروا يتنازعون زمام ناقته،  وسمي ممن سأله النزول عندهم: عثمان بن مالك في بني سالم، وفروة بن عمرو في بني بياضة، وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وغيرهما في بني ساعدة، وأبا سليط وغيره في بني عدي، يقول لكل منهم: "دعوها فإنها مأمورة"، وعند الحاكم من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس: جاءت الأنصار فقالوا إلينا يا رسول الله، فقال: "دعوا الناقة فإنها مأمورة" فبركت على باب أبي أيوب). اهـ
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل في علو المدينة، في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، قال: فجاءوا متقلدي سيوفهم قال: وكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبى أيوب، الحديث.
وفي الطبقات من حديث عبد الله بن سلام: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فجئت في الناس لأنظر إليه، قال: فلما رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجهه ليس بوجه كذاب، قال: فكان أول شيء سمعته يتكلم به أن قال: "يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا والناس نيام وادخلوا الجنة بسلام".
وفي الطبقات أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام ببني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة، فلما كان يوم الجمعة ارتفاع النهار دعا راحلته وحشد المسلمون وتلبسوا بالسلاح وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته القصواء والناس معه عن يمينه وشماله فاعترضه الأنصار لا يمر بدار من دورهم إلا قالوا: هلم يا نبي الله إلى القوة والمنعة والثروة، فيقول لهم خيرا ويدعو لهم ويقول: "إنها مأمورة فخلوا سبيلها".
وفي الطبقات أيضا: وجاء أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب فحط رحله فأدخله منزله، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " المرء مع رحله" فجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عنده وهذا الثبت، قال زيد بن ثابت: فأول هدية دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل أبي أيوب هدية دخلت بها إناء قصعة مثرودة فيها خبز وسمن ولبن فقلت: أرسلت بهذه القصعة أمى، فقال: "بارك الله فيك" ودعا أصحابه فأكلوا، فلم أرم الباب حتى جاءت قصعة سعد بن عبادة: ثريد وعراق، وما كان من ليلة إلا وعلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة والأربعة يحملون الطعام وذلك حتى تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزل أبي أيوب وكان مقامه فيه سبعة أشهر. انتهى من الطبقات الكبرى لابن سعد.












II

النصرة
1- نصرهم له صلى الله عليه وسلم بالشعر والبيان الحسن
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن عند قوله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُم} الآية: وقد مدح صلى الله عليه وسلم في الشعر والخطب والمخاطبة ولم يحث في وجوه المداحين التراب ولا أمر بذلك كقول أبي طالب:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه


ثمال اليتامى عصمة للأرامل

ومدح هو أيضا أصحابه فقال: "إنكم لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع"،
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم وقولوا: عبد الله ورسوله" فمعناه: لا تصفوني بما ليس في من الصفات تلتمسون بذلك مدحي، كما وصفت النصارى عيسى بما لم يكن فيه، فنسبوه إلى أنه ابن الله فكفروا بذلك وضلوا، وهذا يقتضي أن من رفع أمرا فوق حده وتجاوز مقداره بما ليس فيه فمعتد آثم، لأن ذلك لو جاز في أحد لكان أولى الخلق بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال القرطبي أيضا: إن العلماء تأولوا قوله صلى الله عليه وسلم: "احثوا في وجوه المداحين" أن المراد به المداحون في وجوههم بالباطل وبما ليس فيهم. اهـ
وقال الإمام النووي في شرحه لمسلم في الكلام على الحديث: "خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان لأن يمتلئ جوف رجل قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا": واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على كراهة الشعر مطلقا قليله وكثيره وإن كان لا فحش فيه وتعلق بقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا الشيطان"، وقال العلماء كافة: هو مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه، قالوا: وهو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح وهذا هو الصواب، فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر واستنشده الخلفاء وأئمة الصحابة وفضلاء السلف ولم ينكره أحد منهم على إطلاقه وإنما أنكروا المذموم منه وهو الفحش ونحوه، وأما تسمية هذا الرجل الذي سمعه ينشد شيطانا فلعله كان كافرا أو كان الشعر هو الغالب عليه أو كان شعره هذا من المذموم، وبالجملة فتسميته شيطانا إنما هو في قضية عين تتطرق إليها الاحتمالات المذكورة وغيرها ولا عموم لها فلا يحتج بها والله أعلم.
وأخرج البخاري في صحيحه - كتاب الأدب باب هجاء المشركين- عن عائشة رضي الله عنها قالت استأذن حسان بن ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجاء قريش فقال : "فكيف بنسبي؟" فقال: لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين.
وأخرج في نفس الباب عن الهيثم بن أبي سنان أنه سمع أبا هريرة في قصصه يذكر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن أخا لكم لا يقول الرفث يعني بذاك ابن رواحة قال:
وفينا رسول الله يتلو كتابه
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا
يبيت يجافى جنبه عن فراشه


إذا انشق معروف من الفجر ساطع
به موقنات أن ما قال واقع
إذا استثقلت بالكافرين المضاجع

وأخرج أيضا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة فيقول يا أبا هريرة نشدتك بالله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا حسان أجب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أيده بروح القدس"، قال أبو هريرة: نعم.
وفي البخاري في نفس الباب عن البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان اهجهم أو قال هاجهم وجبريل معك.
وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: قال حسان: يا رسول الله ائذن لي في أبي سفيان، قال: "كيف بقرابتي منه؟" قال: والذي أكرمك لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من الخمير، فقال حسان:
وإن سنام المجد من آل هاشم


بنو بنت مخزوم ووالدك العبد

قصيدته هذه.
قال الإمام النووي: وبعد هذا بيت لم يذكره مسلم وبذكره تتم الفائدة والمراد وهو:
ومن ولدت أبناء زهرة منهم


كرام ولم يقرب عجائزك المجد

المراد ببنت مخزوم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم أم عبد الله والزبير وأبي طالب، ومراده بأبي سفيان هذا المذكور المهجو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في ذلك الوقت ثم أسلم وحسن إسلامه، وقوله: ولدت أبناء زهرة منهم، مراده هالة بنت وهب بن عبد مناف أم حمزة وصفية، وأما قوله: ووالدك العبد، فهو سب لأبي سفيان بن الحارث، ومعناه أن أم الحارث بن عبد المطلب والد أبي سفيان هذا هي سمية بنت موهب غلام لبني عبد مناف وكذا أم أبي سفيان بن الحارث كانت كذلك وهو مراده بقوله: ولم يقرب عجائزك المجد.
وفي الإستيعاب لابن عبد البر فلما بلغ هذا الشعر أبا سفيان قال: هذا كلام لم يغب عنه ابن أبي قحافة.
وفي صحيح مسلم من كتاب فضائل الصحابة – باب فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه: عن أبي هريرة أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد، فلحظ إليه، فقال: قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: أنشدك الله  أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أجب عني، اللهم أيده بروح القدس؟" قال: اللهم نعم.
وفي صحيح مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اهجوا قريشا فإنه أشد عليها من رشق النبل" فأرسل إلى ابن رواحة فقال: "اهجهم" فهجاهم فلم يرض فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه، قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه، ثم أدلع بلسانه فجعل يحركه، فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسبا، حتى يلخص لك نسبي" فأتاه حسان، ثم رجع فقال: يا رسول الله قد لخص لي نسبك، والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين، قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: "إن روح القدس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن الله ورسوله"، وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هجاهم حسان فشفى واشتفى"، قال حسان:
هجوت محمدا فأجبت عنه
هجوت محمدا برا تقيا
فإن أبي ووالده وعرضي
ثكلت بنيتي إن لم تروها
يبارين الأعنة مصعدات
تظل جيادنا متمطرات
فإن أعرضتم عنا اعتمرنا
وقال الله قد أرسلت عبدا
وقال الله قد يسرت جندا
وإلا فاصبروا لضراب يوم
لنا في كل يوم من معد


وعند الله في ذاك الجزاء
رسول الله شيمته الوفاء
لعرض محمد منكم وقاء
تثير النقع من كنفي كداء
على أكتافها الأسل الظماء
تلطمهن بالخمر النساء
وكان الفتح وانكشف الغطاء
يقول الحق ليس به خفاء
هم الأنصار عرضتها اللقاء
يعز الله فيه من يشاء
سباب أو قتال أو هجاء

قال الإمام النووي في شرح مسلم قوله: (من كنفي كداء) وعلى هذه الرواية في هذا البيت إقواء مخالف لباقيها، وفي بعض النسخ: غايتها كداء وفي بعضها: موعدها كداء.
:قال الإمام النووي أيضا: قوله (إن حسان أنشد الشعر في المسجد بإذن النبي صلى الله عليه وسلم) فيه جواز إنشاد الشعر في المسجد إذا كان مباحا واستحبابه إذا كان في ممادح الإسلام وأهله، أو في هجاء الكفار والتحريض على قتالهم أو تحقيرهم ونحو ذلك وهكذا كان شعر حسان، وفيه استحباب الدعاء لمن قال شعرا من هذا النوع، وفيه جواز الإنتصار من الكفار ويجوز أيضا من غيرهم بشرطه وروح القدس: جبريل.
وفي شمائل الترمذي – باب صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعر– عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان بن ثابت منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: "إن الله يؤيد حسان بروح القدس" ما ينافح أو يفاخر.
قال جسوس في شرحه: قال ابن حجر وفي الحديث حل إنشاد الشعر في المسجد بل ندبه إذا اشتمل على مدح الإسلام وأهله أو هجاء الكفار وتحقيرهم والتحريض على قتالهم وندب الدعاء لمن قال شعرا كذلك وروى البخاري "إن من الشعر حكمة"، أي قولا صادقا مطابقا للحق قال الطبري وبه يرد على من كره الشعر مطلقا ولا حجة له في قول ابن مسعود: الشعر من مزامير الشيطان، لأنه محمول على الإفراط فيه أو شعر فيه سخف أو هجو أو نحوهما مما غلب على الشعراء وبه ضلوا وغووا: اهـ
قال البدوي رحمه الله تعالى في عمود النسب:
من مالك أيضا أبي القارئ
عن النبي بلسان لقلق
وهو إلى أرنبة يمده


أوس وحسان أخوه الدارئ
بمدح أفضل الأنام مفلق
وجبرئيل تارة يمده

وفي شمائل الترمذي - باب صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعر- : عن شريح عن عائشة قال قيل لها هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر قالت كان يتمثل بشعر ابن رواحة. الحديث.
وفي شمائل الترمذي أيضا من نفس الباب: عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في عمرة القضاء وابن رواحة يمشي بين يديه وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله


اليوم نضربكم على تنزيله
ويذهل الخليل عن خليله

وفي فتح الباري على صحيح البخاري والأبيات من رواية عبد الرزاق بلفظ:
خلوا بني الكفار عن سبيله
بأن خير القتل في سبيله
كما قتلناكم على تنزيله


قد أنزل الرحمن في تنزيله
نحن قتلناكم على تاويله

قال ابن حجر: وزاد ابن إسحاق:
يا رب إني مومن بقيله


إني رأيت الحق في قبوله

وفي الإستيعاب لابن عبد البر: وقد روي أن حسان بن ثابت أستأذن على عائشة بعد ما كف بصره فأذنت له فدخل عليها فأكرمته فلما خرج من عندها قيل لها أهذا من القوم؟ قالت أليس الذي يقول:
فإن أبي ووالده وعرضي


لعرض محمد منكم وقاء

هذا البيت يغفر له كل ذنب. اهـ
وفي المواهب اللدنية للقسطلاني أبيات لحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه قالها حين أسلم وهي:
حمدت الله حين هدى فؤادي
لدين جاء من رب عزيز
إذا تليت رسائله علينا
رسائل جاء أحمد من هداها
وأحمد مصطفى فينا مطاع
فلا والله نسلمه لقوم


إلى الإسلام والدين الحنيف
خبير بالعباد بهم لطيف
تحدر دمع ذي اللب الحصيف
بآيات مبينة الحروف
فلا تغشوه بالقول العنيف
ولما نقض فيهم بالسيوف

وفي الحلية لأبي نعيم: عن خريم بن أوس قال: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمت عليه منصرفه من تبوك، فأسلمت فقال له العباس: إني أريد أن أمتدحك فقال: "قل لا يفضض الله فاك".
وأبيات العباس كما في الإستيعاب لابن عبد البر والشفا لعياض والمستدرك للحاكم وسير أعلام النبلاء للذهبي يزيد بعضهم على بعض:
من قبلها طبت في الظلال وفي
ثم هبطت البلاد لا بشر
بل نطفة تركب السفين وقد
تنقل من صالب إلى رحم
حتى احتوى بيتك المهيمن من
وأنت لما ولدت أشرقت الأر
فنحن في ذلك الضياء وفي النو
يا برد نار الخليل يا سببا


مستودع حيث يخصف الورق
أنت ولا مضغة ولا علق
ألجم نسرا وأهله الغرق
إذا مضى عالم بدا طبق
خندف علياء حولها النطق
ض وضاءت بنورك الأفق
ر وسبل الرشاد نخترق
لعصمة النار وهي تحترق

وأورد ابن عبد البر في الإستيعاب عن أبي قيس الأنصاري :قال الذهبي: قال سفيان بن عيينة حدثنا يحي بن سعيد الأنصاري عن عجوز لهم، قالت رأيت ابن عباس يختلف إلى صرمة أبي قيس الأنصاري وكان يروي هذه الأبيات:
ثوى في قريش بضع عشرة حجة
ويعرض في أهل المواسم نفسه
فلما أتانا واطمأنت به النوى
وأصبح ما يخشى ظلامة ظالم
بذلنا له الأموال من جل مالنا
نعادي الذي عادى من الناس كلهم
ونعلم أن الله لا شيء غيره


يذكر لو ألفى صديقا مواتيا
فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا
وأصبح مسرورا بطيبة راضيا
بعيد ولا يخشى من الناس باغيا
وأنفسنا عند الوغى والتآسيا
جميعا وإن كان الحبيب المواسيا
وإن كتاب الله أفضل هاديا

وفي الطبقات لابن سعد في خبر وفد سعد العشيرة لرجل منهم اسمه ذباب في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تبعت رسول الله إذ جاء بالهدى
شددت عليه شدة فتركته
فلما رأيت الله أظهر دينه
فأصبحت للإسلام ما عشت ناصرا
فمن مبلغ سعد العشيرة أنني


وخلفت فراضا بدار هوان
كأن لم يكن والدهر ذو حدثان
أجبت رسول الله حين دعاني
وألقيت فيها كلكلي وجراني
شريت الذي يبقى بآخر فان

وفي المواهب اللدنية خبر إسلام كعب بن زهير وإنشاده النبي صلى الله عليه وسلم قصيدته المشهورة التي أولها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول


متيم إثرها لم يفد مكبول

ومنها:
أنبئت أن رسول الله أو عدني
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة القر
لا تاخذني بأقوال الوشاة ولم
إن الرسول لسيف يستضاء به


والعفو عند رسول الله مأمول
آن فيها مواعيظ وتفصيل
أذنب ولو كثرت في الأقاويل
مهند من سيوف الله مسلول

وقال القسطلاني عند ذكر أسماء النبي صلى الله عليه وسلم في خصائص اسمه محمد:
ومنها أنه تعالى اشتقه من اسمه المحمود كما قال حسان بن ثابت:
أغر عليه للنبوة خاتم
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه
وشق له من إسمه ليجله


من الله من نور يلوح ويشهد
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
فذو العرش محمود وهذا محمد

وفي الطبقات لابن سعد أن عبد الله بن رواحة قال يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
يا هاشم الخير إن الله فضلكم
إني تفرست فيك الخير أعرفه
ولو سألت أو استنصرت بعضهم
فثبت الله ما آتاك من حسن


على البرية فضلا ما له غير
فراسة خالفتهم في الذي نظروا
في جل أمرك ما آووا ولا نصروا
تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا

فأقبل صلى الله عليه وسلم مستبشرا وقال: "إياك فثبت الله".
وفي الجامع لأحكام القرآن للقرطبي أن العباس بن مرداس قال في النبي صلى الله عليه وسلم:
يا خاتم النبآء إنك مرسل
إن الإله بنى عليك محبة


بالخير كل هدى السبيل هداكا
في خلقه ومحمدا سماكا

وفي الإستيعاب لابن عبد البر أن النابغة الجعدي أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم قصيدته التي يمدحه فيها ولما قال:
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا


وإنا لنرجوا فوق ذلك مظهرا

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إلى أين يا أبا ليلى" فقال إلى الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن شاء الله تعالى"  فلما بلغت:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له
ولا خير في أمر إذا لم يكن له


بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحسنت يا أبا ليلى لا يفضض الله فاك" قال فأتى عليه أكثر من مائة سنة وكان أحسن الناس ثغرا.
وفي الإصابة والإستيعاب من شعره الدال على طول عمره:
ألا زعمت بنو أسد بأني
فمن يك سائلا عني فإني
أتت مائة لعام ولدت فيه
وقد أبقت صروف الدهر مني


وما كذبوا كبير السن فان
من الفتيان أيام الخنان
وعشر بعد ذالك واثنتان
كما أبقت من الذكر اليماني

قال ابن عبد البر: وفي هذا الشعر مما أنشده رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى
وجاهدت حتى  ما أحس ومن معي
أقيم على التقوى وأرضى بفعلها


ويتلو كتابا كالمجرة نيرا
سهيلا إذا ما راح ثم تحورا
وكنت من النار المخوفة أحذرا

وفي فتح الباري: وأخرج أبو سعيد في (شرف المصطفى) ورويناه في فوائد الخلعي من طريق عبيد الله بن عائشة منقطعا: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل الولائد يقلن:
طلع البدر علينا
وجب الشكر علينا


من ثنيات الوداع
ما دعا لله داع

وفي الإستيعاب لابن عبد البر: قدم وفد همدان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك وعليهم مقطعات الحبرات والعمائم العدنية على الرواحل المهرية الأرحبية ومالك بن نمط يرتجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 
إليك جاوزن سواد الريف
مخطمات بحبال الليف


في هبوات الصيف و الخريف

وفي الإصابة لابن حجر في شأن بيت أنس بن زنيم في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
قال دعبل بن علي في طبقات الشعراء هذا أصدق بيت قالته العرب:
فما حملت من ناقة فوق رحلها


أعف وأوفى ذمة من محمد

وفي الإصابة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية فأسروا رجلا من بني سليم يقال له الأصيد بن سلمة فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم: رق له وعرض عليه الإسلام فأسلم وكان له أب شيخ كبير فبلغه ذلك فكتب إليه:
من راكب نحو المدينة سالما
أتركت دين أبيك والشم العلى


حتى يبلغ ما أقول الأصيدا
أودوا وتابعت الغداة محمدا

في أبيات، قال فاستأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جوابه فأذن له فكتب إليه:
إن الذي سمك السماء بقدرة
بعث الذي ما مثله فيما مضى


حتى علا في ملكه وتوحدا
يدعو لرحمته النبي محمدا

في أبيات فلما قرأ كتاب ولده أقبل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم.
وفي فتح الباري من كتاب المغازي: وعن البيهقي بإسناد حسن من حديث ابن عمر لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح رأى النساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فتبسم إلى أبي بكر فقال: "يا أبا بكر كيف قال حسان؟" فأنشده:
عدمت بنيتي إن لم تروها
ينازعن الأزمة مسرجات


تثير النقع موعدها كداء
يلطمهن بالخمر النساء

فقال: "ادخلوا من حيث قال حسان".
وفي فتح الباري: ووقع في حديث جابر رضي الله عنه عند ابن مردويه: لما كان يوم الأحزاب وردهم الله بغيظهم قال النبي صلى الله عليه وسلم، "من يحمي أعراض المسلمين" فقام كعب وابن رواحة وحسان، فقال لحسان: "اهجهم أنت فإنه سيعينك عليهم روح القدس".
وفي صحيح البخاري من حديث الإفك: قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال:
فإن أبي ووالده وعرضي


لعرض محمد منكم وقاء

وفي الشعر والشعراء لابن قتيبة: أن الأعشى ميمون بن قيس خرج يريد النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، فسأله أبو سفيان بن حرب عن وجهه الذي يريد فقال أريد محمدا، فقال أبو سفيان إنه يحرم عليك الخمر والزنا والقمار فقال أما الزنا فقد تركني ولم أتركه وأما الخمر فقد قضيت منها وطرا وأما القمار فلعلى أصيب منه خلفا قال فهل لك إلى خير قال وما هو قال بيننا وبينه هدنة فترجع عامك هذا وتأخذ مائة ناقة حمراء فإن ظهر بعد ذلك أتيته وإن ظفرنا به كنت قد أصبت عوضا من رحلتك فقال لا أبالي فانطلق به أبو سفيان إلي منزله وجمع إليه أصحابه وقال: يا معشر قريش هذا أعشى قيس وقد علمتم شعره ولئن وصل إلى محمد ليضربن عليكم العرب قاطبة بشعره فجمعوا له مائة ناقة حمراء فانصرف.
وقد ألف أخونا العالم الأديب الأريب ول متالي ولد حنن الحاجي كتابا رائقا رائعا في مديح الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنوانه: "الفتح المولوي في المديح النبوي" فارجع إليه، فقد "شفى واشتفى" فيه.
وفي صحيح البخاري في حديث بدء الوحي أول الكتاب قول خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم: كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.
وفي صحيح مسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة فقال: إيانا تريد يا رسول الله والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا.
والذي في الطبقات لابن سعد: فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أجيب عن الأنصار كأنك يا رسول الله تريدنا، قال: "أجل": قال فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت هذا البحر لخضناه معك ما بقي منا رجل واحد.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيروا على بركة الله فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين فوالله لكأني أنظر إلى مصارع القوم".
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ويمكن الجمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم استشارهم في غزوة بدر مرتين: الأولى وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان، وذلك بين في رواية مسلم ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، والثانية كانت بعد أن خرج كما في حديث الباب، ووقع عند الطبراني أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية، وهذا أولى بالصواب.اهـ منه
وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحب مما عدل به: أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى {اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [المائدة 24] ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره يعني قوله.
وفي المواهب اللدنية في ذكر خطبائه صلى الله عليه وسلم: وكان خطيبه صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس وهو خزرجي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وكان خطيبه وخطيب الأنصار: واستشهد يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة.
وقال أيضا في المواهب: ولما جاءه صلى الله عليه وسلم بنو تميم، فنادوه يا محمد اخرج إلينا نفاخرك ونشارعك فإن مدحنا زين وذمنا شين، فلم يزد صلى الله عليه وسلم على أن قال: "ذاك الله إذا مدح زان وإذا ذم شان" إني لم أبعث بالشعر ولم أومر بالفخر، ولكن هاتوا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بأن يجيب خطيبهم فخطب فغلبهم وخطبة ثابت بن قيس كما فى السيرة:
الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه، قضي فيهن أمره، ووسع كرسيه علمه، ولم يك شيء قط إلا من فضله، ثم كان من قدره أن جعلنا ملوكا، واصطفى من خير خلقه رسولا أكرمه نسبا وأصدقه حديثا، وأفضله حسبا، فأنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه، فكان خيرة الله من العالمين، ثم دعا الناس إلى الإيمان به فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوى رحمه أكرم الناس حسبا، وأحسن الناس وجوها، وخير الناس فعالا، ثم كان أول الخلق إجابة واستجاب لله حين دعاه رسول الله: نحن، فنحن أنصار الله، ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله أبدا، وكان قتله علينا يسيرا، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم.
وأوردوا قول الأقرع بن حابس: وأبي إن هذا الرجل لمؤتى له لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا، ولأصواتهم أعلى من أصواتنا.
قال ابن هشام: فلما فرغ القوم أسلموا، وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم.
ومن خطبهم المشهورة خطبة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عند النجاشي الواردة في كتب السير، قال في سير أعلام النبلاء: عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة في شأن هجرتهم إلى بلاد النجاشي، فلما رأت قريش ذلك اجتمعوا على أن يرسلوا إليه فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، فجمعوا هدايا له ولبطارقته، فقدموا على الملك وقالوا إن فتية منا سفهاء فارقوا ديننا ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه ولجؤوا إلى بلادك، فبعثنا إليك لتردهم، فقالت بطارقته صدقا أيها الملك، فغضب ثم قال: لا لعمر الله لا أردهم إليهم حتى أكلمهم، قوم لجؤوا إلى بلادي واختاروا جواري، فلم يكن شيء أبغض إلى عمرو وابن أبي ربيعة من أن يسمع الملك كلامهم فلما جاءهم رسول النجاشي، اجتمع القوم وكان الذي يكلمه جعفر بن أبي طالب، فقال النجاشي: ما هذا الدين؟ قالوا: أيها الملك كنا قوما على الشرك نعبد الأوثان ونأكل الميتة ونسيء الجوار ونستحل المحارم والدماء فبعث الله إلينا نبيا من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته فدعانا إلى أن نعبد الله وحده ونصل الرحم، ونحسن الجوار ونصلي ونصوم، قال فهل معكم شيء مما جاء به؟ – وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله– فقال لهم جعفر: نعم وقرأ عليهم صدرا من سورة (كهيعص)، فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى، انطلقوا راشدين، لا والله لا أردهم عليكم ولا أنعمكم عينا، فخرجا من عنده فقال عمرو: لآتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم فذكر له ما يقولون في عيسى.
فلما دخلوا عليه قال لهم ما تقولون في عيسى بن مريم قال عبد الله ورسوله ، وروحه   وكلمته التي ألقاها إلى مريم البتول فرفع النجاشي عودا في الأرض وقال: يا معشر الحبشة والقسيسين بشر به عيسى في الإنجيل والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته فأكون أنا الذي أحمل نعليه وأوضئه.

2- مواساتهم لــه صلى الله عليه وسلم بالمال
أخرج البخاري في: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الفضائل أيضا: عن أبي سعيد الخدري: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر. الحديث.
وفي حلية الأولياء لأبي نعيم عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كانت يد النبي صلى الله عليه وسلم في مال أبي بكر ويد أبي بكر واحدة حين حجا.
وفي صحيح البخاري –كتاب المغازي – عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما حفر الخندق رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا فانكفأت إلى امرأتي فقلت: هل عندك شيء؟ فإني رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا، فأخرجت إلي جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن فذبحتها، وطحنت الشعير ففرغت إلى فراغي، وقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه، فجئته فساررته فقلت يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا صاعا من شعير كان عندنا، فتعال أنت ونفر معك فصاح النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع سورا فحي هلا بكم" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنزلن برمتكم، ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء"، فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس، حتى جئت امرأتي فقالت: بك وبك، فقلت: قد فعلت الذي قلت: فأخرجت له عجينا ، فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك، ثم قال: "ادع خابزة فلتخبز معي، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها"، وهم ألف، فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو.
وفي فتح الباري: ذكر الواقدي من حديث أبى رهم الغفاري لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء أهدى له إيماء بن رحضة الغفاري مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا، وبعث بها مع ابنه خفاف، فقبل هديته وفرق الغنم في أصحابه ودعا بالبركة.
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى وكان من أصحاب الشجرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال: "اللهم صل عليهم" فاتأه أبي بصدقته فقال: "اللهم صل على آل أبى أوفى".
وفي البخاري: باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي رضي الله عنه وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يحفر بئر رومة فله الجنة" فحفرها عثمان، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من جهز جيش العسرة فله الجنة" فجهزه عثمان.
قال في فتح الباري: والمراد بجيش العسرة تبوك كما سيأتي في المغازي، وأخرج أحمد والترمذي من حديث عبد الرحمن بن حباب السلمي أن عثمان أعان فيها بثلاثمائة بعير، ومن حديث عبد الرحمن بن سمرة أن عثمان أتى فيها بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي البخاري في الفضائل من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي" مرتين فما أوذي بعدها.
وفي صحيح البخاري –كتاب مناقب الأنصار عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه، فقلن ما معنا إلا الماء، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم من يضم – أو يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصبح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان فباتا طاويين فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ضحك الله الليلة – أو عجب– من فعالكما"، فأنزل الله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
قال في فتح الباري: قوله (فقال رجل من الأنصار) زعم ابن التين أنه ثابت بن قيس بن شماس إلى أن قال: والصواب الذي يتعين الجزم به في حديث أبي هريرة ما وقع عند مسلم من طريق محمد بن فضيل بن غزوان عن أبيه بإسناد البخاري فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة، بذلك جزم الخطيب لكنه قال أظنه غير أبي طلحة زيد بن سهل المشهور.
وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذنت هالة بنت خويلد –أخت خديجة- على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك فقال: "اللهم هالة"، قالت: فغرت فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها.
قال في فتح الباري: وروى أحمد أيضا والطبراني من طريق مسروق عن عائشة في نحو هذه القصة: فقال "ما أبدلني الله خيرا منها آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء".
وفي حلية الأولياء عن الزهري قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألف، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة.
وفي الروض الأنف للسهيلي- أول وقف في الإسلام- : ومما يليق ذكره بهذه الغزاة –غزوة أحد- حديث مخيريق وهو أحد بني النضير، وقوله: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء فأصيب يوم أحد، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف ماله أوقافا، وهو أول حبس في الإسلام روى ذلك عن محمد بن كعب القرظي، وقال الزهري كانت سبع حوائط أسماؤها: الأعراف والأعواف والعافية والدلال وبرقة وحسنى ومشربة أم إبراهيم وإنما سميت مشربة أم إبراهيم لأنها كانت تسكنها.
 وقد ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة في القسم الأول قال: ذكر الواقدي أنه أسلم واستشهد في أحد.
قال البدوي في نظم الغزوات:
وذو الوصايا الجم للبشير


وهو مخيريق بني النضير

وفي الحلية عن عبد الرحمن بن أبي حباب السلمي قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان: علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها، ثم حث فقال عثمان علي مائة أخرى بأحلاسها  ثم حث فقال عثمان: علي مائة بأحلاسها وأقتابها، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: بيده يحركها: "ما على عثمان من عمل بعد هذا".
وفيها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان يوم جيش العسرة جائيا وذاهبا فقال: "اللهم اغفر لعثمان ما أقبل وما أدبر وما أخفى وما أعلن، وما أسر وما أجهر".
وفيها عن عبد الرحمن بن سمرة قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش العسرة فجاء عثمان بألف دينار فنثرها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ولى قال فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقلب الدنانير وهو يقول: "ما يضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم".
وفيها عن قتادة قال: حمل عثمان على ألف فيها خمسون فرسا في غزوة تبوك.
وفي الإستيعاب عن هشام بن عروة عن أبيه قال أسلم أبو بكر وله أربعون ألفا أنفقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر".
وفي الإصابة: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذي قرد على ماء يقال له بيسان فقال "هو نعمان وهو طيب" فغير اسمه فاشتراه طلحة ثم تصدق به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أنت يا طلحة إلا فياض" فلذلك قيل له طلحة الفياض.
 يقول البدوي رحمه الله في نظم الغزوات:
ومر في طريقه بالمالح
فغير اسمه وغير الإله
طلحة بالفياض سماه النبي


بيسان ذي اللقب غير الصالح
صفته وبعد ذلك اشتراه
إذ قد تصدق به ليثرب

وفي الإصابة في ترجمة أبي طلحة: وفي الصحيحين عن أنس لما نزلت: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} قال أبو طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحب أموالي إلى بيرحاء وإنها صدقة أرجو برها وذخرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بخ بخ ذلك مال رابح" الحديث.
وفي تفسير الجلالين عند قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىوهذا نزل في الصديق رضي الله عنه لما اشترى بلالا المعذب على إيمانه وأعتقه. وقال الصاوي: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: "إن بلالا يعذب في الله"، فعرف أبو بكر الذي يريده رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف إلى منزله فأخذ رطلا من ذهب .. إلى آخر القصة.
وفي الإصابة: وكانت جفنة سعد تدور مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه.
وفيها: وروى أبو يعلي من حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جزى الله عنا الأنصار خيرا لاسيما عبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة".
وفيها: وروى ابن أبي الدنيا من طريق ابن سيرين قال كان أهل الصفة إذا أمسوا انطلق الرجل بالواحد والرجل بالإثنين والرجل بالجماعة فأما سعد فكان ينطلق بثمانين.
وفي الإصابة في ترجمة قيس بن سعد: وفي الصحيح عن جابر في قصة جيش العسرة أنه كان في ذلك الجيش وأنه كان ينحر ويطعم حتى استدان بسبب ذلك ونهاه أمير الجيش وهو أبو عبيدة وفي بعض طرقه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الجود من شيمة أهل ذلك البيت".

3- حراستهم له صلى الله عليه وسلم
في صحيح مسلم من كتائب فضائل الصحابة عن عائشة قالت: سهر رسول الله صلى الله وسلم مقدمه المدينة ليلة، فقال: "ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة"  قالت: فبينا نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح، فقال "من هذا؟" قال سعد بن أبي وقاص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ماجاء بك؟" قال: وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نام، وفي رواية ابن رمح فقلنا من هذا؟.
قال الإمام النووي في شرحه لمسلم: قوله صلى الله عليه وسلم" ليت رجلا يحرسني": فيه جواز الإحتراس والأخذ بالحزم وترك الإهمال في موضع الحاجة إلى الإحتياط، قال العلماء: وكان هذا الحديث قبل نزول قوله تعالى {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} لأنه صلى الله عليه وسلم ترك الإحتراس حين نزلت هذه الآية وأمر أصحابه بالانصراف عن حراسته.
وفي سنن الترمذي من أبواب المناقب: عن أنس قال: كان قيس بن سعد من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرط من الأمير قال الأنصاري: يعني مما يلي من أموره.
وفي الطبقات الكبرى لابن سعد في الكلام على غزوة الأحزاب: وكان عباد بن بشر على حرس قبة رسول الله صلى عليه وسلم مع غيره من الأنصار يحرسونه كل ليلة.
وفي المواهب اللدنية في الكلام على الحديبية في خبر عروة بن مسعود من حديث البخاري: قال وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فكلما تكلم أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم،
قال القسطلاني: قال العلماء: وقد كانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه، لاسيما عند الملاطفة وفي الغالب إنما يصنع ذلك النظير بالنظير، لكن كان صلى الله عليه وسلم يغضى لعروة استمالة له وتأليفا، والمغيرة يمنعه إجلالا للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما.
وفي فتح البارى عند الكلام على حديث البخاري في فتح مكة وفيه: (فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوهم فأخذوهم) قال الحافظ ابن حجر: وفي مرسل أبي سلمة: وكان حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا من الأنصار، وكان عمر بن الخطاب عليهم تلك الليلة.
وفي الروض الأنف: في خبر عمير بن وهب ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه قال فأدخله علي، قال: فأقبل عمر حتى أخذ حمالة سيفه في عنقه فلببه بها: وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث فإنه غير مامون.
وفي الإصابة لابن حجر في ترجمة أبي ريحانة: وأخرج أحمد والنسائي والطبراني من طريق أبى علي الهمداني عن أبى ريحانة أنه كان مع النبي صلى الله عليه وآله في غزوة قال فأوينا ذات ليلة إلى سرف فأصابنا برد شديد حتى رأيت الرجال يحفر أحدهم الحفرة فيدخل فيها ويلقي عليه حجلة، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من يحرسنا الليلة فأدعو له بدعاء يصيب فضله" فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله قال "ومن أنت؟" قال: فلان قال "ادنه" فدنا فأخذ ببعض ثيابه ثم استفتح الدعاء فلما سمعت قلت أنا رجل: قال "من أنت" قال فدعا لي دون ما دعا لصاحبي ثم قال "حرمت النار على عين حرست في سبيل الله" الحديث.
وفي المواهب اللدنية للقسطلاني في الحديث عن بدر: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش ومعه أبو بكر ليس معه فيه غيره.
وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي: أخرج البزار في مسنده عن علي أنه قال: أخبروني من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت قال: أماإني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس؟ قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر، إنه لما كان يوم بدر، فجعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا، فقلنا: من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوي إليه أحد من المشركين، فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرا بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه.
وذكر البدوي رحمه الله تعالى في نظم الغزوات حراسة سعد بن معاذ له في العريش فقال:
وابن معاذ مبتني العريش
يكره إبقاء الأسارى ويرى


وحارس النبي من قريش
إهلاكهم أول قتل أجدرا

4- دفاعهم عنه وقتالهم بين يديه صلى الله عليه وسلم
وفي صحيح البخاري من فضائل أبي بكر: عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فوضع رداء في عنقه فخنقه به خنقا شديدا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ}.
وفي الإستيعاب في مثل هذه القصة عن أسماء ولهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر يضربونه قالت فرجع إلينا فجعل لا يمس شيئا من غدائره إلا جاء معه وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
وفي صحيح البخاري أيضا – باب ذكر طلحة بن عبيد الله- : عن أبي عثمان قال: "لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد، عن حديثهما.
وفيه عن قيس بن أبي حازم: رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم قد شلت.
قال في فتح الباري: وقوله التي وقى بها أي يوم أحد وعند الطبراني من طريق موسى بن طلحة عن أبيه أنه أصابه في يده سهم ومن حديث أنس: وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد بعض المشركين أن يضربه.
ومن نظم الغزوات للبدوي رحمه الله في ذكر أحد:
وثبتت مع النبي اثنا عشر
منهم أبو دجانة وابن أبي
وطلحة وفيه شلت يده
وتحته جلس إذ أجهضه


بين مهاجر وبين من نصر
وقاص الذي فداه بالأب
إذ اتقى النبل بها يصمده
درعاه والجراح فاستنهضه

وفي البخاري –باب مناقب سعد بن أبي وقاص الزهري- عن سعيد بن المسيب قال: سمعت سعدا يقول: جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد.
قال في فتح الباري: قوله جمع لي أي في التفدية، وهي قوله: فداك أبي وأمي وبينه حديث علي ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد بن مالك، فإنه جعل يقول يوم أحد فداك أبي وأمي، وقد تقدم في الجهاد، وفي هذا الحصر نظر لما تقدم في ترجمة الزبير أنه صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم الخندق ويجمع بينهما أن عليا رضي الله عنه لم يطلع على ذلك، أو مراده بقيد يوم أحد، والله أعلم.
وفي صحيح البخاري –باب مناقب الزبير بن العوام- عن عبد الله بن الزبير قال: كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء، فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا، فلما رجعت قلت يا أبت رأيتك تختلف، قال: أو هل رأيتني يا بني؟ قلت: نعم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟" فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: "فداك أبي وأمي".
وفي صحيح البخاري من كتاب مناقب الأنصار –باب مناقب أبي طلحة رضي الله عنه- عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مجوب به عليه بحجفة له، وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد القد يكسر يومئذ قوسين أو ثلاثا، وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل، فيقول: "انثرها لأبي طلحة" فأشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك. الحديث.
وفي صحيح البخاري –كتاب المغازي- باب قتل كعب بن الأشرف عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لكعب بن الأشرف ؟ فإنه قد آذى الله ورسوله" فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال: "نعم" الحديث.
وفي فتح الباري من حديث أبي داود والترمذي أن كعب بن الأشرف كان شاعرا وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم......
وفيه من رواية ابن سعد فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا، وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي، فلما سمع تكبيرهم كبر، وعرف أنهم قد قتلوه، ثم انتهوا إليه فقال: "أفلحت الوجوه" فقالوا: ووجهك يا رسول الله.
وكذلك فعلوا بأبي رافع اليهودي الذي كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه كما في حديث البراء الذي في البخاري وغيره.
وفي البخاري عن سعد بن أبي وقاص: نثل لي النبي صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد فقال "ارم فداك أبي وأمي".
وفيه عن سعد أيضا: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه عليهما ثياب بيض كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد.
قال في فتح الباري: هما جبريل وميكائيل.
وفي فتح الباري أنه اختلفت الأخبار في عدد من بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد قال: فعند محمد بن عائذ: لم يبق معه سوى اثني عشر رجلا، وعند ابن سعد ثبت معه سبعة من الأنصار وسبعة من قريش، وفي مسلم من حديث أنس: أفرد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش طلحة وسعد.
وسرد ابن حجر أسماءهم تبعا للواقدي في المغازي من المهاجرين أبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وسعد وطلحة والزبير وأبو عبيدة، ومن الأنصار: أبو دجانة والحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وقيل إن سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة بدل الأخيرين.
وفي صحيح البخاري في خبر أحد أيضا عن أبي حازم أنه سمع سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان يسكب الماء وبما دووي: قال: كانت فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسله وعلي يسكب الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها فاستمسك الدم. الحديث. وفي فتح الباري أنها لما رأته اعتنقته.
وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا قال "من يذهب في إثرهم؟ فانتدب منهم سبعون رجلا قال: كان فيهم أبو بكر والزبير.

وفي صحيح البخاري أيضا عن قتادة قال: ما نعلم حيا من أحياء العرب أكثر شهيدا أغر يوم القيامة من الأنصار، قال قتادة وحدثنا أنس بن مالك أنه قتل منهم يوم أحد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة سبعون، قال وكان بئر معونة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوم اليمامة على عهد أبي بكر يوم مسيلمة الكذاب.
وفي صحيح البخاري –باب غزوة الخندق وهي الأحزاب- عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهم يحفرون ونحن ننقل التراب على أكبادنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار".
وفيه عن أنس أنه قال: "اللهم إن العيش عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجره"
 فقالوا مجيبين له:
نحن الذين بايعوا محمدا


على الجهاد ما بقينا أبدا

قال في فتح الباري: قوله: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة" قال ابن بطال: هو قول ابن رواحة، يعني تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح البخاري أيضا عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا، ثم قال من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير أنا ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير أنا. ثم قال: "إن لكل نبي حواريا، وإن حواري الزبير".
وفيه أيضا عن عائشة رضي الله عنها قالت: أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة رماه في الأكحل، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل عليه السلام وهو ينفض رأسه من الغبار فقال: قد وضعت السلاح، والله ما وضعناه، اخرج إليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم "فأين" فأشار إلى بني قريظة فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  فنزلوا على حكمه، فرد الحكم إلى سعد، قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم أموالهم، قال هشام، فأخبرني أبي عن عائشة أن سعدا قال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه ، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حتى أجاهدهم فيك وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتي فيها، فانفجرت من لبته، فلم يرعهم - وفي المسجد خيمة من بني غفار – إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا يا أهل الخيمة، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما فمات منها رضي الله عنه.
قال في فتح الباري، ولمسلم من طريق عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة: فما زال الدم يسيل حتى مات قال فذلك حين يقول الشاعر:
ألا يا سعد سعد بني معاذ
لعمرك إن سعد بني معاذ


لما فعلت قريظة والنضير
غداة تحملوا لهو الصبور

وفي صحيح البخاري – كتاب المغازي – في الكلام على الحديبية عن أبي عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال: على الموت.
وفي صحيح البخاري – باب غزوة ذات القرد– عن سلمة بن الأكوع قال خرجت قبل أن يؤذن بالأولى، وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بذي قرد، قال فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف فقال أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم  قلت من أخذها؟ قال غطفان، قال: فصرخت ثلاث صرخات: يا صباحاه، قال: فأسمعت ما بين لابتي المدينة ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم.
وقد أخذوا يستقون من الماء، فجعلت أرميهم بنبلي – وكنت راميا – وأقول: أنا ابن الأكوع اليوم يوم الرضع، وأرتجز حتى استنقذت اللقاح منهم، واستلبت منهم ثلاثين بردة قال: وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس، فقلت: يا نبي الله قد حميت القوم الماء وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة، فقال: "يا ابن الأكوع ملكت فأسجح"، قال: ثم رجعنا، ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى دخلنا المدينة.
وأورد النووي هذا الحديث في الأذكار في باب ثناء الإمام على من ظهرت منه براعة في القتال وفيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة".
وفي صحيح البخاري – في فتح خيبر– عن سلمة رضي الله عنه قال: كان علي رضي الله عنه تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر، وكان رمدا فقال: أنا أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فلحق به، فلما بتنا الليلة التي فتحت قال: "لأعطين الراية غدا – أو ليأخذن الراية غدا- رجل يحبه الله ورسوله يفتح عليه، فنحن نرجوها فقيل: هذا علي فأعطاه، ففتح عليه.
وفي صحيح مسلم من حديث سلمة: ثم أرسلني إلى علي وهو أرمد فقال: "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" قال: فأتيت عليا فجئت به أقوده، وهو أرمد، حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسق في عينيه فبرأ، وأعطاه الراية، وخرج مرحب فقال:
قد علمت خيبر أني مرحب
إذا الحروب أقبلت تلهب


شاكي السلاح بطل مجرب

فقال علي:
أنا الذي سمتني أمي حيدره
أوفيهم بالصاع كيل السندره


كليث غابات كريه المنظره


قال: فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.
قال فى فتح الباري: وعند مسلم من حديث أبي هريرة أن عمر قال: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ.
وفي البخاري من خبر غزوة مؤتة عن ابن عمر أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل، فعددت خمسين بين طعنة وضربة، ليس منها شيء في دبره، يعني في ظهره.
وفي صحيح مسلم – كتاب الجهاد والسير– عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، نظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم وما حاجتك إليه؟ يا ابن أخي، قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: فتعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال مثلها، قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، قال: فابتدراه، فضرباه بسيفيهما، حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال: "أيكما قتله"؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلت فقال: " هل مسحتما سيفيكما" قالا: لا. فنظر في السيفين فقال: "كلاكما قتله" وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء.
وفي صحيح مسلم: عن عبد الله قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلا جزور فقذفه على ظهر رسول الله فلم يرفع رأسه، فجاءت فاطمة فأخذته عن ظهره ودعت على من صنع ذلك فقال: "اللهم عليك الملأ من قريش أبا جهل بن هشام وعتبة  بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وشيبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، أو أبي بن خلف (شعبة الشاك)، قال فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر، فألقوا في بئر، غير أن أمية أو أبيا تقطعت أوصاله فلم يلق في البئر.
وفي البخاري في كتاب المغازي أيضا: عن أبي إسحاق قال سمعت البراء رضي الله عنه وجاءه رجل فقال: يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين فقال: أما أنا فأشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يول، ولكن عجل سرعان القوم، فرشقتهم هوازن وأبو سفيان بن الحارث آخذ برأس بغلته البيضاء يقول:
أنا النبي لا كذب


أنا ابن عبد المطلب

قال ابن حجر قال النووي: هذا الجواب من بديع الكلام لأن تقدير الكلام فررتم كلكم.
وقال في فتح الباري أيضا: ولمسلم من حديث العباس أن النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ كان يركض بغلته إلى جهة الكفار وزاد فقال: "أي عباس ناد أصحاب الشجرة، وكان العباس صيتا قال: فناديت بأعلى صوتي أين أصحاب الشجرة؟، قال فوالله لكأن عطفتهم على حين سمعوا صوتي عطفة البقرة على أولادها فقالوا: يا لبيك.
وفيه أيضا: ووقع في شعر العباس بن عبد المطلب أن الذين ثبتوا معه عشرة فقط وذلك قوله:
نصرنا رسول لله في الحرب تسعة
وعاشرنا وافى الحمام بسيفه


وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا
لما مسه في الله لا يتوجع

وفي صحيح مسلم – كتاب الجهاد والسير– عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال: "من يردهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة" فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضا فقال: "من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة؟" فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه: "ما أنصفنا أصحابنا".
وفي الطبقات عن سفيان بن عيينة قال: لقد أصيب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد نحو من ثلاثين كلهم يجيء حتى يجثو بين يديه، أو قال: يتقدم بين يديه، ثم يقول: وجهي لوجهك الوفاء ونفسي لنفسك الفداء وعليك سلام الله غير مودع.
وفي صحيح مسلم من كتاب الفضائل عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفا يوم أحد، فقال: "من يأخذ مني هذا" فبسطوا أيديهم كل إنسان منهم يقول: أنا، قال: "فمن يأخذه بحقه"، قال فأحجم القوم فقال سماك بن خرشة أبو دجانة أنا آخذه بحقه قال فأخذه ففلق به هام المشركين.
وقال كما في المواهب:
أنا الذي عاهدني خليلي
ألا أقوم الدهر في الكيول


ونحن بالسفح لدى النخيل
أضرب بسيف الله والرسول

وفي الطبقات عند الكلام على الخندق (غزوة الأحزاب): ثم أجمع رؤساهم أن يغدوا يوما فغدوا جميعا ومعهم رؤساء سائر الأحزاب وطلبوا مضيقا من الخندق يقحمون منه خيلهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجدوا ذلك وقالوا: إن هذه المكيدة ما كانت العرب تصنعها فقيل لهم إن معه رجلا فارسيا أشار عليه بذلك قالوا: فمن هناك إذا، فصاروا إلى مكان ضيق أغفله المسلمون فعبر عكرمة بن أبي جهل ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب وهبيرة بن أبي وهب وعمرو بن عبدود، فجعل عمرو بن عبدود يدعو إلى البراز ويقول:
ولقد بححت من الندا


ء لجمعهم هل من مبارز

وهو ابن تسعين سنة، فقال علي بن أبي طالب: أنا أبارزه يا رسول الله، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه وعممه وقال: "اللهم أعنه عليه"، ثم برز له ودنا أحدهما من صاحبه وثارت بينهما غبرة وضربه علي فقتله وكبر، فعلمنا أنه قد قتله وولى أصحابه هاربين وظفرت بهم خيولهم، وحمل الزبير بن العوام على نوفل بن عبد الله بالسيف فضربه فشقه باثنين.
وفي الطبقات – غزوة بدر–ثم خرج شيبة وعتبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، فدعوا إلى البراز فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار بنو عفراء معاذ ومعوذ وعوف بنو الحارث، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون أول قتال لقي فيه المسلمون المشركين في الأنصار، وأحب أن تكون الشوكة ببني عمه وقومه وأمرهم فرجعوا إلى مصافهم وقال لهم خيرا، ثم نادى المشركون: يا محمد أخرج إلينا الأكفاء من قومنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يابني هاشم قوموا قاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور الله"، فقام حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف فمشوا إليه، فقال عتبة تكلموا نعرفكم، وكان عليهم البيض، فقال حمزة أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، فقال عتبة كفء كريم، وأنا أسد الحلفاء من هذان معك؟ قال: علي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث، قال: كفآن كريمان، ثم قال لابنه: قم يا وليد، فقام إليه علي بن أبي طالب، فاختلفا ضربتين، فقتله علي، ثم قام عتبة وقام إليه حمزة، فاختلفا ضربتين فقتله حمزة، ثم قام شيبة وقام إليه عبيدة بن الحارث وهو يومئذ أسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب شيبة رجل عبيدة بذباب السيف يعني طرفه فأصاب عضلة ساقه فقطعها، فكر حمزة وعلي على شيبة فقتلاه، وفيهم نزلت {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} الآية.
وفي الطبقات الكبرى لابن سعد أيضا: قدم وفد همدان على رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم مقطعات الحبرة مكففة بالديباج، وفيهم حمزة بن مالك من ذى مشعار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  "نعم الحي همدان ما أسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد ومنهم أبدال وأوتاد الإسلام".
وفي الطبقات عن عائشة قالت سمعت أبا بكر يقول: لما كان يوم أحد ورمي رسول الله صلى عليه وسلم في وجهه حتى دخلت في أجنتيه حلقتان من المغفر فأقبلت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا فقلت، اللهم اجعله طاعة حتى توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أبو عبيدة بن الجراح قد بدرني فقال أسألك بالله يا أبا بكر إلا تركتني فأنزعه من وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو بكر فتركته فأخذ أبو عبيدة بثنيته إحدى حلقتي المغفر فنزعها وسقط على ظهره وسقطت ثنية أبي عبيدة ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت، فكان أبو عبيدة في الناس أثرم.
وفيها عن مالك بن أنس عن يحي بن سعيد أنه قال: لما كان يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يأتني بخبر سعد بن الربيع؟" فقال رجل أنا يا رسول الله، فذهب الرجل يطوف بين القتلى فقال له سعد بن الربيع ما شأنك؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لآتيه بخبرك، قال: فاذهب إليه فأقرئه مني السلام وأخبره أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة وأن قد أنفذت مقاتلي، وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد منهم حي وفي الحلية عن موسى بن طلحة قال: لما كان يوم أحد حملت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهري حتى استقل وصار على الصخرة واستتر عن المشركين، فقال: هكذا وأومأ بيده إلى وراء ظهره وقال "هذا جبريل عليه السلام أخبرني أنه لا يراك يوم القيامة في هول إلا أنقذك منه".
وفي الإصابة لابن عبد البر أن أبا جهل عرض وعدة معه للنبي صلى الله عليه وسلم فآذوه فعمد طليب بن عمير إلى أبي جهل فضربه فشجه فأخذوه فقام أبو لهب في نصرته وبلغ أروي فقالت: إن خير أيامه يوم نصر ابن خاله فقيل لأبي لهب إن أروي صبت فدخل عليها يعاتبها فقالت: قم دون ابن أخيك فإنه إن يظهر كنت بالخيار وإلا كنت قد أعذرت في ابن أخيك فقال أبو لهب: ولنا طاقة بالعرب قاطبة إنه جاء بدين محدث، قال ابن سعد: ويقال إن أروى قالت:
إن طليبا نصر ابن خاله


واساه في ذي ذمة وماله

وفي المواهب اللدنية للقسطلاني في خبر أحد: وترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه حتى كثر النبل وهو لا يتحرك.
وفي الحلية عن عائشة أم المؤمنين قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك يوم كله لطلحة، قال أبو بكر: كنت أول من فاء يوم أحد فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي عبيدة بن الجراح "عليكما صاحبكما" يريد طلحة وقد نزف فأصلحنا من شأن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر بين طعنة وضربة ورمية وإذا قد قطعت أصبعه فأصلحنا من شأنه.
وفيها عن موسى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه قال لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ هذه الآية: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ} الآية، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله من هؤلاء؟ فأقبلت وعلي ثوبان أخضران فقال: "أيها السائل هذا منهم".
وفي الحلية عن هشام بن عروة عن أبيه قال: إن أول رجل سل سيفه الزبير بن العوام سمع نفحة نفحها الشيطان: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج الزبير يشق الناس بسيفه والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فلقيه، فقال: "ما لك يا زبير" قال: أخبرت أنك أخذت، قال فصلى عليه ودعا له ولسيفه.
وفي الإستيعاب لابن عبد البر عن عمير بن إسحاق قال: كان حمزة يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين فقال قائل أي أسد، فبينا هو كذلك إذ عثر عثرة وقع منها على ظهره فانكشفت الدرع عن بطنه فطعنه وحشي الحبشي بحربة أو قال برمح فأنفذه.
وفي الإصابة لابن حجر: ويقال إنه – أي حمزة – قتل بأحد قبل أن يقتل أكثر من ثلاثين نفسا، وذكر أنه لازم نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم.
وفي الإصابة عن ابن عباس قال حدثني سعد بن عبادة قال بايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عصابة من أصحابه على الموت يوم أحد فصبروا وجعلوا يبذلون نفوسهم دونه حتى قتل منهم من قتل فعد فيمن بايع على ذلك جماعة منهم: أبو بكر وعمر وطلحة والزبير وسعد وسهل بن حنيف وأبو دجانة.
وفي الإستيعاب أن طلحة حمل النبي صلى الله عليه وسلم على ظهره حتى استقل على الصخرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليوم أوجب طلحة يا أبا بكر".
وفي الطبقات عن محمد بن كعب القرظي قال: نال أبو جهل وعدي بن الحمراء وابن الأصداء من النبي صلى الله عليه وسلم يوما وشتموه وآذوه، فبلغ ذلك حمزة بن عبد المطلب فدخل المسجد مغضبا فضرب رأس أبي جهل بالقوس ضربة أوضحت في رأسه وأسلم حمزة فعز به رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون.

            خاتمة في حبهم لآله وأصحابه صلى الله عليه وسلم
في الجامع الصحيح للترمذي من حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل البيت بحبي" .
وفي صحيح البخاري: باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ". وعن ابن عمر عن أبي بكر رضي الله عنهم قال: ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله (ارقبوا محمدا في أهل بيته) يخاطب بذلك الناس ويوصيهم به، والمراقبة للشيء المحافظة عليه، يقول: احفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تسيؤوا إليهم ثم ذكر حديث المسور "فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني".
وفي صحيح البخاري أيضا من نفس الباب قول أبي بكر رضي الله عنه : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي .
وفي صحيح البخاري –باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما- عن عقبة بن الحارث قال: رأيت أبا بكر رضي الله عنه وحمل الحسن وهو يقول: بأبي شبيه بالنبي، ليس شبيها بعلي وعلي يضحك.
 وفي صحيح البخاري من نفس الباب عن ابن أبي نعم سمعت عبد الله بن عمر وسأله عن المحرم – قال شعبة أحسبه يقتل الذباب – فقال: أهل العراق يسألون عن الذباب وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "هما ريحانتاي من الدنيا".
وفي المواهب اللدنية عند ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة رضي الله عنهما "جمع الله شملكما وأعز جدكما وبارك عليكما وأخرج منكما الكثير الطيب" : قال أنس: فوالله لقد خرج منهما الكثير الطيب.
وفي صحيح البخاري – باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه - عن سعد بن عبيدة قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان، فذكر عن محاسن عمله، قال: لعل ذلك يسوؤك قال: نعم قال: فأرغم الله بأنفك، ثم سأله عن علي فذكر محاسن عمله قال: هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: لعل ذاك يسوؤك؟ قال: أجل قال: فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد علي جهدك.
قال في فتح الباري: قوله (هو ذاك، بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم) أي أحسنها بناء، وقال الداودي معناه أنه في وسطها وهو أصح، ووقع عند النسائي عن طريق عطاء بن السائب عن سعد بن عبيدة في هذا الحديث فقال لا تسأل عن علي ولكن انظر إلى بيته من بيوت النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح البخاري – باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما – عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي في طست فجعل ينكت وقال في حسنه شيئا، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم.اهـ
 قال في فتح الباري: وللطبراني من حديث زيد بن أرقم: فجعل يجعل قضيبا من يده في عينه وأنفه، فقلت ارفع قضيبك فقد رأيت فم رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعه.
وفيه أيضا وزاد البزار من وجه آخر عن أنس قال فقلت له: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم حيث تضع قضيبك قال: فانقبض.
وفي البخاري –كتاب المغازي– عن عامر قال: كان ابن عمر إذا حيا ابن جعفر قال السلام عليك يا ابن ذي الجناحين.
وفي البخاري –كتاب المغازي أيضا– خبر اختصام علي وجعفر وزيد رضي الله عنهم في ابنة حمزة رضي الله عنه أيهم تكون عنده .
وفي صحيح البخاري –كتاب المغازي– عن بريدة قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أبغض عليا وقد اغتسل، فقلت لخالد ألا ترى إلى هذا، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال يا بريدة أتبغض عليا؟ فقلت: نعم، قال " لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك ".
قال في فتح الباري: وفي رواية عبد الجليل " فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة ". وزاد: قال فما كان أحد أحب إلي من علي، وفيه أيضا: وأخرجه أحمد أيضا والنسائي من طريق سعيد بن عبيدة عن عبد الله بن بريدة مختصرا وفي آخره: فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد احمر وجهه يقول: "من كنت وليه فعلي وليه".
وفي صحيح مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له خلفه في بعض مغازيه فقال له علي: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي" وسمعته يقول يوم خيبر: "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" قال فتطاولنا لها فقال: "ادعوا عليا" فأتي به أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه، ولما نزلت الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ} دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: "اللهم هؤلاء أهلي" .
وفي الجامع الصحيح للترمذي، عن أبي سعيد الخدري قال: إنا كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب.
وفي صحيح البخاري في باب الاستستقاء عن أنس: أن عمر بن الخطاب رضي الله كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتستقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون.
وفي المواهب اللدنية: وفي الزبير بن بكار أن العباس لما استسقى به عمر قال: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث، فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس.
وعنده أيضا قحط الناس فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد فاقتدوا ياأيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس، فاتخذوه وسيلة إلى الله، وفيه فما برحوا حتى سقوا، وفي ذلك يقول العباس بن عتبة بن أبي لهب:
بعمي سقى الله الحجاز وأهله
توجه بالعباس في الجدب راغبا
ومنا رسول الله فينا تراثه


عشية يستسقى بشيبته عمر
إليه فما إن رام حتى أتى المطر
فهل فوق هذا للمفاخر مفتخر

وفي نسيم الرياض عند قول عياض (إلى ما ظهر على أصحابه من كرامته وبركته في حياته وموته كاستسقاء عمر بعمه): فلم يستتم دعاءه حتى نشأت سحابة فقال الناس: ترون، ترون ثم تلامت وانتشرت ثم درت وأرخت عزاليها كأفواه القرب فما برحوا حتى علقوا الحذا وقلصوا المآزر وطفق الناس يتمسحون بالعباس ويقولون هنيئا لك يا ساقي الحرمين، وفي ذلك يقول حسان رضي الله تعالى عنه:
سأل الإمام وقد تتابع جدبنا
أحيى الإله به البلاد فأصبحت


فسقى الغمام بغرة العباس 
مخضرة الأرجاء بعد الياس

وفي شرح الشفا لعلي القاري عند قول عياض(وتبرك غير واحد بذريته صلى الله عليه وسلم): (وتبرك غير واحد) أي كثير من الصحابة والتابعين (بذريته) كالحسنين وزين العابدين وصالحي أولادهم رضي الله عنهم أجمعين.
وفي الطبقات الكبرى لابن سعد –في ذكر من كان يفتي بالمدينة ويقتدي به– عن ابن عباس أنه أخذ لزيد بن ثابت بالركاب فقال: تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا. اهـ
وزيد هذا هو الذي يقول فيه حسان رضي الله عنه:
فمن للقوافي بعد حسان وابنه


ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت

وفي سنن الترمذي في أبواب المناقب في فضل عائشة رضي الله عنها عن عمر بن غالب أن رجلا نال من عائشة عند عمار بن ياسر قال: اغرب مقبوحا منبوحا، أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا حديث حسن صحيح.
وفي الجامع الصحيح أيضا في أبواب المناقب – فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم-     عن عكرمة قال: قيل لابن عباس بعد صلاة الصبح ماتت فلانة لبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فسجد، قيل له أتسجد هذه الساعة؟ فقال: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا رأيتم آية فاسجدوا" فأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الإصابة لابن حجر: لما علم الصحابة بزواج النبي صلى الله عليه وسلم بجويرية بنت الحارث قالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق فلقد أعتق الله بها مائة أهل بيت من بني المصطلق، قالت عائشة: فما أعلم امرأة أعظم بركة منها على قومها.
وفي صحيح مسلم من كتاب فضائل الصحابة: عن أنس قال: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها.
وفي البخاري عن عبد الله بن دينار قال: نظر ابن عمر يوما –وهو في المسجد– إلى رجل يسحب ثيابه في ناحية من المسجد فقال: انظر من هذا ليت هذا عندي، قال له إنسان: أما تعرف هذا يا أبا عبد الرحمن هذا محمد بن أسامة: قال: فطأطأ ابن عمر رأسه ونقر بيديه في الأرض ثم قال: لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبه.
وأخرج ابن سعد عن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: "هل قلت في أبي بكر شيئا؟" فقال نعم: فقال: "قل وأنا أسمع" فقال:
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد
وكان حب رسول الله قد علموا


طاف العدو به إذ صعد الجبلا
من البرية لم يعدل به رجلا

 قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال "صدقت يا حسان هو كما قلت".
وفي الصحيحين قول أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم، وإن لم أعمل بعملهم.
وفي الطبقات لحسان بن ثابت في عثمان رضي الله عنهما:
وكأن أصحاب النبي عشية 
أبكي أبا عمرو لحسن بلائه


بدن تنحر عند باب المسجد
أمسى رهينا في بقيع الغرقد

وفي الحلية عن أسماء بنت أبي بكر قالت: مر الزبير بن العوام بمجلس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسان بن ثابت ينشدهم فمدح حسان بن ثابت الزبير فقال:
فكم كربة ذب الزبير بسيفه
فما مثله فيهم ولا كان قبله
ثناؤك خير من فعال معاشر


عن المصطفى والله يعطي ويجزل
وليس يكون الدهر ما دام يذبل
وفعلك يا ابن الهاشمية أفضل

وأخرج الشيخان واللفظ لمسلم عن ابن عباس يقول: وضع عمر بن الخطاب على سريره فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه قبل أن يرفع وأنا فيهم قال: فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي فالتفت إليه فإذا هو علي فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبك وذلك أني كنت أكثر أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "جئت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر"، فإن كنت لأرجو أو لأظن أن يجعلك الله معهما.
قال النووي: وفي هذا الحديث فضيلة أبي بكر وعمر وشهادة علي لهما وحسن ثنائه عليهما وصدق ما كان يظنه بعمر قبل وفاته رضي الله عنهم أجمعين.
وأخرج مسلم في أبواب المناقب والبخاري في الفضائل واللفظ لمسلم عن عثمان بن عبد الله بن موهب: أن رجلا من أهل مصر حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال: من هؤلاء قالوا: قريش قال فمن هذا الشيخ قالوا: ابن عمر، فأتاه فقال: إني سائلك عن شيء فحدثني أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان فر يوم أحد قال: نعم قال: أتعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها قال: نعم ، قال أتعلم أنه تغيب يوم بدر فلم يشهده قال نعم فقال: الله أكبر: فقال له ابن عمر تعال أبين لك ما سألت عنه، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله قد عفا عنه وغفر له، وأما تغيبه يوم بدر فإنه كانت عنده أو تحته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لك أجر رجل شهد بدرا وسهمه"، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكان عثمان فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى "هذه يد عثمان"، وضرب بها على يده وقال "هذه لعثمان" قال فاذهب بها الآن معك.
 وفي الجامع الصحيح للترمذي عن علقمة اليشكري قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: سمعت أذني من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: طلحة والزبير جاراي في الجنة.
وفي الإستيعاب في ترجمة الحسن بن علي رضي الله عنهما قال أبو عمر: وكان -أي الحسن- من المبادرين إلى نصر عثمان رحمه الله الذائدين عنه.
وفي الجامع الصحيح عن خيثمة بن أبي شبرة قال: أتيت المدينة فسألت الله أن ييسر لي جليسا صالحا فيسر لي أبا هريرة فجلست إليه فقلت إني سألت الله أن ييسر لي جليسا صالحا فوفقت لي فقال من أين أنت فقلت من أهل الكوفة جئت ألتمس الخير وأطلبه فقال: أليس فيكم سعد بن مالك مجاب الدعوة وابن مسعود صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعليه وحذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمار الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه وسلمان صاحب الكتابين، قال قتادة والكتابان: الإنجيل والقرآن. صحيح حسن غريب.
قال ابن حجر في فتح الباري: توارد أبو هريرة في وصف المذكورين مع أبي الدرداء بما وصفهم به وزاد عليه.
وحديث أبي الدرداء أخرجه البخاري في مناقب عمار وحذيفة.
وفي المواهب اللدنية للقسطلاني قول عمر لعلي رضى الله عنهما: أصبحت مولى كل مؤمن، عند ذكر حديث الترمذي: "من كنت مولاه فعلي مولاه".
وفي الإستيعاب عن معاوية بن مزرد عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول: أبصرت عيناي هاتان وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بكفي حسين وقدماه على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "ترق عين بقه" قال فرقي الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افتح فاك" ثم قبله ثم قال: "اللهم أحبه فإني أحبه".
وفي الإستيعاب لابن عبد البر أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي ابن أبي طالب ابنته أم كلثوم فقال له إنها صغيرة فقال له عمر: زوجنيها يا أبا الحسن فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد، إلى أن قال: فجاء عمر إلى علي فجلس في الروضة وكان يجلس فيها المهاجرون الأولون فجلس إليهم فقال لهم: زفوني فقالوا: بماذا يا أمير المؤمنين؟
قال: تزوجت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل نسب وسبب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي وصهري" فكان لي به عليه السلام النسب والسبب فأردت أن أجمع إليه الصهر فزفوه.
وفي المواهب اللدنية: وفي حديث أبي هريرة أيضا عند الحافظ السلفي قال: ما رأيت الحسن ابن علي قط إلا فاضت عيناي دموعا، وذلك أن رسول الله صلى عليه وسلم خرج يوما وأنا في المسجد فأخذ بيدي واتكأ علي حتى جئنا سوق قينقاع، فنظر فيه ثم رجع حتى جلس في المسجد ثم قال: "ادع ابني" قال: فأتى الحسن بن علي يشتد حتى وقع في حجره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح فمه ثم يدخل فمه في فمه ويقول: "اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه" ثلاث مرات.
وفي الإصابة عن الحسين بن على رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب قال له بأبي لو جعلت تغشانا، قال فأتيته يوما وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب فرجع ابن عمر فرجعت معه فلقيني بعد وقت فقال لي لم أرك قلت يا أمير المؤمنين إني جئت وأنت خال بمعاوية فرجعت مع ابن عمر فقال: أنت أحق من ابن عمر فإنما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم. سنده صحيح وهو عند الخطيب.
وفي صحيح مسلم -باب فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما من كتاب فضائل الصحابة- عن أبي هريرة : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى جاء سوق بني قينقاع، ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة فقال "أثم لكع؟ أثم لكع؟" يعني حسنا، فظننا أنه إنما تحبسه أمه لأن تغسله وتلبسه سخابا، فلم يلبث أن جاء يسعى، حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم إني أحبه فأحبه وأحبب من يحبه".
وقال النووي: السخاب بكسر السين المهملة وبالخاء المعجمة جمعه سخب وهو قلادة من القرنفل والمسك والعود ونحوهما من أخلاط الطيب يعمل على هيأة السبحة ويجعل قلادة للصبيان والجواري، وقيل هو خيط فيه خرز سمي سخابا لصوت خرزه عند حركته.
وفي الإستيعاب لابن عبد البر عن ابن عباس وقع بين خالد بن الوليد وعمار بن ياسر كلام فقال عمار: لقد هممت أن لا أكلمك أبدا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال "يا خالد مالك ولعمار رجل من أهل الجنة قد شهد بدرا" وقال لعمار: "إن خالدا يا عمار سيف من سيوف الله على الكفار" فما زلت أحب عمارا من يومئذ.
وفي الإصابة : بينما عبد الله بن عمرو جالس في ظل الكعبة إذ رأى الحسين مقبلا فقال : هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.
وفي صحيح البخاري عن عروة بن الزبير قال: ذهب عبد الله بن الزبير مع أناس من بني زهرة إلى عائشة وكانت أرق شيء عليهم، لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الإستيعاب لابن عبد البر وغيره أبيات لحسان بن ثابت رضي الله عنه في عائشة رضي الله عنها:
حصان رزان ما تزن بريبة
عقيلة حي من لؤي بن غالب
مهذبة قد طيب الله خيمها
فإن كان ما قد قيل عني قلته
وإن الذي قد قيل ليس بلائط
فكيف وودي ما حييت ونصرتي
رأيتك وليغفر لك الله حرة


وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
كرام المساعي مجدهم غير زائل
وطهرها من كل بغي وباطل
فلا رفعت سوطي إلي أناملي
بها الدهر بل قول امرئ متماحل
لآل رسول الله زين المحافل
من المحصنات غير ذات الغوائل

وفي صحيح البخاري قول أبي بكر الصديق – في شأن أبي قتادة – لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسود الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه. الحديث
وفي الإصابة لابن حجر والسيرة النبوية لابن هشام: لحسان بن ثابت فى جعفر بن أبى طالب رضي الله عنه:
وكنا نرى في جعفر من محمد
ومازال في الإسلام من آل هاشم
هم جبل الإسلام والناس حولهم
بهاليل منهم جعفر وابن أمه
وحمزة والعباس منهم ومنهم
بهم تفرج اللأواء في كل مأزق
هم أولياء الله أنزل حكمه


وفاء وأمرا حازما حين يأمر
دعائم عز لا يزلن ومفخر
رضام إلى طود يروق ويبهر
علي ومنهم أحمد المتخير
عقيل وماء العود من حيث يعصر
عماس إذا ما ضاق بالناس مصدر
عليهم وفيهم ذا الكتاب المطهر


وهاهنا تم بفضل الله وعونه جمع هذه الورقات والحمد لله الذي بنعمته وجلاله تتم الصالحات والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه.



         الإثنين 14/1/1432 الموافق 20/12/2010












الفهرسـت
-  المحبة:
1- أقوال الصحابة في محبته صلى الله عليه وسلم
2- معان من محبتهم له صلى الله عليه وسلم
3- تعظيمهم وتوقيرهم له صلى الله عليه وسلم
4- حسن اتباعهم له صلى الله عليه وسلم
5- تبركهم بآثاره وتعظيمهم لأسبابه صلى الله عليه وسلم
6- حزنهم وبكاؤهم لفراقه صلى الله عليه وسلم
7- ما كان من محبتهم ونصرتهم له صلى الله عليه وسلم في الهجرة
II - النصرة
1- نصرتهم له صلى الله عليه وسلم بالشعر والبيان الحسن
2- مواساتهم له صلى الله عليه وسلم بالمال
3- حراستهم له صلى الله عليه وسلم
4- دفاعهم عنه صلى الله عليه وسلم
الخـاتمة: حبهم ونصرتهم لآله وأصحابه صلى الله عليه وسلم.
الصفحة
7
11
16
21
25
34
42

49
62
67
69
80